جاء العرض الأول للفيلم الوثائقي «ضايل عنا عرض» ، علي المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، مساء أمس الخميس (One More Show) ، المشارك في المسابقة الدولية للدورة الـ46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ضمن عروض الجالا ، ليكون أول فيلم عربي يدخل هذه المسابقة المرموقة.
الفيلم، الذي أخرجته مي سعد بمشاركة المصور الفلسطيني أحمد الدنف، حظي بتصفيق حار وتفاعل جماهيري كبير، باعتباره شهادة مؤثرة على قدرة الفن على المقاومة وسط القهر والدمار في غزة، لكن خلف هذا التأثر الإنساني الكبير، يختبئ خطاب بصري ملتبس يثير تساؤلات عميقة حول موقـف العمل من القضية الفلسطينية، ومن الاحتلال الذي غاب ذكره تمامًا عن الأحداث.
سيرك في قلب الدمار
يرصد «ضايل عنا عرض» رحلة «سيرك غزة الحر»، الذي أسسه مجموعة من الشباب الفلسطينيين لتقديم عروض السيرك في قلب الدمار، كمحاولة لبث الفرح في وجوه الأطفال وسط أصوات القصف والركام، من خلال الكاميرا، ينسج الفيلم لوحات إنسانية مؤثرة عن التمسك بالأمل ومواجهة القهر بالضحك، في تماهٍ بصري جميل بين الفن والمأساة.
لكن ما يلفت الانتباه هو اختيار المخرجة المتعمد لتغييب العدو الصهيوني عن الصورة، إذ لا نسمع كلمة «إسرائيل» في أي موضع من الفيلم، ولا نرى أي إشارة إلى الاحتلال أو مسؤوليته عن المشهد الدموي الذي يعيشه القطاع.
ورغم أن الفيلم يتحدث عن الإبادة، إلا أنه يتجنّب تسمية الجاني، فيتحول الخطاب إلى حكاية إنسانية مجردة، يمكن أن تفهم في أي مكان من العالم، وكأن مأساة غزة قدرٌ طبيعي لا سبب سياسي له.
وفي بعض المقاطع يظهر تلميح غير مباشر إلى أن الدمار والكارثة لم يكونا نتيجة طرف واحد بهذا المعنى، يمكن القول إن الفيلم يدين يوم 7 أكتوبر بوصفه شرارة مأساة إنسانية كبرى، دون أن يضع الاحتلال في موضع الاتهام الأساسي، وهو ما يجعل الفيلم أقرب إلى الخطاب الغربي المموّه،الذي يسعى لتجريد القضية الفلسطينية من بعدها التحرّري المقاوم، والاكتفاء بتقديمها كأزمة إنسانية مجردة.
وفي سياق أحداثه، تبدو حركة حماس ضمنيًا طرفًا في المأساة، إذ يلمّح الفيلم إلى أن العنف والعنف المضاد وجهان لمعاناة واحدة، ليبدو العمل وكأنه يدين أحداث 7 أكتوبر بوصفها بداية سلسلة الكوارث، لا كفعل مقاوم في وجه الاحتلال.
خطاب سياسي غربي
هذا التوجه يجعل الفيلم أقرب إلى الخطاب الغربي الإنساني المحايد، الذي يكتفي بالتعاطف مع الضحايا دون الإشارة إلى من يقتلهم، فيتحول من وثيقة مقاومة إلى وثيقة بكاء جماعي تخلو من الموقف السياسي ويقدّم صورة يمكن للعالم قبولها: الفلسطيني كفنان متألم، لا كمقاوم يطالب بحقه.
ورغم كل ذلك، لا يمكن إنكار أن مي سعد قدّمت عملًا بصريًا عالي الحس الإنساني، مفعمًا بالعاطفة والرمز، ومشهد ظهورها على السجادة الحمراء وهي تحمل صورة شريكها الغائب أحمد الدنف كان من أكثر اللحظات صدقًا وتأثيرًا في المهرجان، مؤكدًا أن الفيلم – من الناحية الجمالية – يحمل بصمة صادقة ومؤثرة.
«ضايل عنا عرض» فيلم جميل بصريًا، مؤلم إنسانيًا، لكنه مرتبك سياسيًا ، يقدّم غزة من منظور الأمل والفن، لكنه يتجنّب تسمية العدو، ويغيب عنه الوعي المقاوم الذي شكّل جوهر الحكاية الفلسطينية منذ بدايتها، إنه فيلم عن الألم، لا عن الاحتلال؛ عن الضحايا، لا عن المجرمين ، فهل يمكن لفيلم عن غزة أن يكتمل من دون أن نسمع فيه كلمة «إسرائيل»؟
