الفلسطينة آدم بكري بين الهوية والأداء… حين يتحوّل التمثيل إلى فعل مقاومة وجمال

تأتي استضافة الفنان الفلسطيني آدم بكري ضمن فعاليات «أيام القاهرة لصناعة السينما» لتؤكد الدور المتزايد الذي يلعبه المهرجان في إتاحة مساحات للنقاش الجاد حول علاقة السينما بالسياسة والهوية والإنسان. فحين يجلس بكري على خشبة المسرح المكشوف بدار الأوبرا المصرية، لا يحضر بصفته ممثلاً فقط، بل بوصفه نموذجًا فنيًا ينتمي إلى جيل جديد من المبدعين الفلسطينيين الذين يعملون داخل منظومة سينمائية عالمية دون أن يتخلّوا عن ثقل الهوية أو عن ذاكرة المكان.

الهوية كإطار للأداء

يتناول الحوار عنوانًا بالغ الدلالة: «بين الهوية والأداء»،وهو عنوان يختصر الإشكالية الأعمق التي يعيشها الممثل العربي عمومًا، والفلسطيني خصوصًا، داخل فضاء سينمائي دولي يفرض سردياته ورؤاه وأجنداته.
آدم بكري، الذي ظهر منذ بداياته في أعمال عربية وأخرى عالمية، يعيش حالة شدّ دائم بين ضرورة الاحتفاظ بصوته الفلسطيني وبين الانفتاح على أدوار تكتب خارج هذا الإطار الضيق.

تكمن أهمية هذا النقاش في أن بكري ينتمي إلى الجيل الذي لم يعد ينظر إليه بوصفه «ممثلًا عربيًا يؤدي دورًا شرقيًّا» ضمن قوالب نمطية، بل كفنان قادر على لعب أدوار مركّبة تعبر عن الإنسان قبل الهوية، رغم أن هذه الهوية تبقى مصدر قوته وسبب حضوره الخاص.

الفن كفعل إنساني 

من بين المحاور التي ينتظر أن يتناولها الحوار رؤية بكري لدور الفن في التعبير عن القضايا الإنسانية، وهي رؤية تتجاوز الطابع السياسي المباشر إلى سؤال أعمق: كيف يمكن للممثل الفلسطيني أن يروي قصته دون الوقوع في فخ الرمزية الفائضة أو الخطاب المباشر؟

بكري، مثل كثير من فناني جيله، يحاول إعادة تعريف صورة الفلسطيني على الشاشة: ليس فقط بوصفه ضحية، بل كإنسان له طبقات وتجارب وهواجس وعلاقات، تمامًا مثل باقي البشر، إنه يقدّم خطابًا ضد التنميط من خلال الأداء نفسه، لا من خلال الشعارات.

اختيار الأدوار

أحد العناصر المحورية في مسيرة بكري هو اختياره الدقيق للأدوار التي تحافظ على جسرٍ بينه وبين فلسطين، سواء بشكل مباشر أو عبر موضوعات إنسانية كبرى تعكس واقعًا مرتبطًا بالمنفى والبحث عن الذات.

هنا يتحول فن التمثيل إلى ممارسة يومية للهوية، لا بوصفها شعارًا سياسيًا، بل كاختيار فني متوازٍ مع طموحه العالمي. هذه المعادلة—البحث عن دور عالمي دون التخلي عن الجذور—هي ما يمنح مسيرة بكري خصوصيتها.

«أيام القاهرة لصناعة السينما»

ضمن إطار «أيام القاهرة لصناعة السينما»، لا يأتي هذا الحوار كجلسة ثقافية عابرة، بل كجزء من رؤية أوسع تهدف إلى تطوير الصناعة وتمكين المواهب وبناء جسور بين سينما المنطقة وسينمات العالم.
استضافة فنان مثل بكري داخل هذا الفضاء المهني تشير إلى إدراك متنامٍ لأهمية التجارب العابرة للحدود، وإلى حاجة السينما العربية إلى مناقشة أسئلة الهوية، الإنتاج المشترك، والتمثيل الثقافي في سياق عالمي متغيّر.

حين تتقاطع المهنية مع البعد الثقافي

تأتي هذه الجلسة ضمن روح مهرجان القاهرة السينمائي، الذي يسعى إلى أن يكون أكثر من منصة لعرض الأفلام؛ بل حاضنة للحوار الثقافي والفني. ووجود فنان دولي بجذور فلسطينية في لقاء مفتوح مع الجمهور يؤكد أن المهرجان يقدّم نموذجًا يحتفي بالتعددية، ويعترف بأن السينما ليست مجرد صناعة، بل لغة مقاومة، ووسيلة لإعادة سرد الحكايات من منظور أصحابها.

يمثل حوار آدم بكري «بين الهوية والأداء» لحظة مهمة في فضاء مهرجان القاهرة السينمائي، لأنه لا يناقش تجربة فنان فقط، بل يطرح سؤالًا جوهريًا حول معنى أن تكون ممثلًا عربيًا، وفلسطينيًا، يعمل في سينما عابرة للثقافات.
تكمن أهمية هذا اللقاء في أنه يعيد التأكيد على أن الهوية ليست عبئًا على الفنان، بل مصدرًا للثراء والتعدد، وأن الأداء ليس تقنية فحسب، بل مرآة للوعي والموقف والانتماء.

إنه حوار يفتح الباب أمام فهمٍ أعمق لدور الفن في زمن التحولات الكبرى، ويقدّم نموذجًا لفنان يوازن بين عالميْن دون أن يتنازل عن جذوره، أو عن رغبته في أن يكون جزءًا من سردية إنسانية أوسع.