عبدالستار ناجي
يعزف فيلم «صوت السقوط »على معادلة القلق التى تحاصر الإنسان الأوروبي من خلال حكاية عائلة أوروبية ألمانية، وعبر مجموعة من الأجيال ، تم سرد هذه القصة التي يظل محورها القلق وشي من الشعور بالذنب في حكاية تتداخل بها الأزمنة حول تلك العائلة وذلك المنزل الذي يحمل دلالاته وسقاطاته الأوروبية التى لم تتجاوز الحرب أو الرغبة في الخلاص من ذلك الواقع المعتم والقاسي في ذلك المنزل الريفي .
الشخوص رغم أجيالها إلا أنها تكاد تشبه بعضها البعض في البقاء محصورة وسط تلك الحالة السوداوية . حتى لحظات الفرح الشاردة تظل محفوفة بايقاع متوتر .
قصيدة سينمائية
المخرجة الألمانية ماشا شيلينسكي تاتى بعد سنوات من الغياب فبعد فيلمها الاول “فتاة الازرق الغامق ” 2017 ها هى اليوم تعود الينا بفيلم “صوت السقوط “عبر قصيدة سينمائية معتمة .
هذه قصيدة مشبعة بالغموض تنطلق من الحظة الاولي عبر حالة من – التلصص – من خلال عيون أطفال الأسرة الذين يرون كبارهم يعيشون العزلة والتمزق وشعور دفين بالذنب وعبر مجموعة من المشهديات الغامضة ينتقل الحدث والشخوص إلى القرن الحالي ولكنة سرعان ما يعود الى مجموعة من الازمنة ، حيث جميع الشخصيات يظل هاجسها الإنتحار .
ومن خلال مشهد قطع رجل ابن العائلة الاكبر يذهب الفيلم بعيدا في الحديث عن زمن العسكرة والحروب المتججة ( الحربين العالمية الاولي والثانية ) مع اشارات الى ما هو قادم من حروب تظل خلف الابواب لربما تستعر او تتفجر في اى لحظة .
عبودية المرأة
في الفيلم موقف صريح وواضح من قبل المخرجة شيلينسكي ضد عبودية المرأة وحالة السخرة التى تعيشها من لحظة الولادة حتى الموت المتمثل بموت الجدة تاره ومرض الأم .. في جميع المشاهد المراة تظل تعمل وتخدم طيلة النهار في ذلك المنزل الريفي .
منذ المشهد الأول في الفيلم نحن أمام أربعة أزمنة متداخلة بايقاع احترافي مستمد من معطيات السيناريو الذى كتبته لويز باتر مع المخرجة ميشكا شيلينسكي .في ذات المنزل والحديقة والنهر الصغير الذي يحيطان به .
الرواية تاتى دائما من خلال الطفلة ( الما ) وهي فتاة صغيرة تبدي تقبّلًا فاترًا وغير مستوعب لتقاليد العائلة الغريبة، وصورها التى تتواصل لوفيات أفراد العائلة وهو صور مروعة .
حيث تظل تري صوره لفتاة تشبها كثيرا مع ملامح متداخلة لسيدها لا تعرفها ومن هنا تبدا لعبة تداعي الذكريات والحكايات .وفي المقابل هناك إريكا (ليا دريندا) التى نراها تعاني من شغفٌ كئيبٌ شبه شهوانيّ بـ”العم فريتز” الأكبر سنًّا (مارتن روثر)، وبصورتها الخيالية عن نفسها كمبتورة لاحقًا، في ألمانيا الشرقية القديمة، أنجيليكا (لينا أورزيندوسكي) مراهقةٌ تعمل في المزرعة، يسيء معاملتها عمها البغيض أوي (كونستانتين ليندهورست)، وتُدرك في حلمٍ أن ابن أوي – أي ابن عمها راينر (فلوريان جيسلمان) – يحبها باستياء. عندما تنضم أنجيليكا إلى مجموعة العائلة لالتقاط صورة جماعية بكاميرا بولارويد، تواجه مصيرًا غريبًا مثل ألما.
الروابط بين الشخصيات
وفي وقتٍ لاحق، في ألمانيا الموحدة الحديثة، تصادق لينكا (ليني جيسلير) فتاةً غريبةً وجريئةً تدعى كايا (نينيل جيجر) توفيت والدتها. تتكشف الروابط بين الشخصيات تدريجيًا، ويلمح الفيلم إلى المزيد من الشخصيات والأحداث الغامضة والمتوقعة، ما يجمعهم ليس المزرعة فحسب، بل النهر الذي يسبحون فيه، والذي يشكل جزءًا من الحدود مع الغرب، والذي يحتوي على ثعابين مائية زاحفة ومرعبة نراها في اكثر من مشهد واكثر من دلالاله .
يمتاز فيلم صوت السقوط – هي دلاله عن سقوط اكبر يتجاوز حدود العائلة التى رصدنا حكايتها شعور عاصف بالكأبة والضيق والحزن والموت الذي يقف خلف الابواب.
في الفيلم اسلوب خاص ولغة بصرية صاغتها المخرجة شيلينسكي الى جوار مدير التصوير فابيان جامبير الذي يمتلك تجربة سينمائية ثرية وعميقة .
ويبقي ان نقول ..
فيلم ” صوت السقوط ” قصيدة نثرية على سقوط الذات الانسانية وسط عواصف الحرروب وعدم الاستقرار .