بقلم : فايق جرادة
منذ وقوع النكبة، كانت السينما والدراما العربية، خطّ الدفاع الثقافي الأول عن الرواية الفلسطينية، فبينما تعرّض الشعب الفلسطيني للقتل والتهجير وتدمير مدنه وقراه، أدرك الفنانون العرب أن دورهم يتجاوزالترفيه ، ليصبح الفن أداة تحفظ الذاكرة وتواجه التزييف ، وهكذا تحوّلت الشاشة العربية إلى مساحة تعبير عن الوعي الجمعي العربي، وموقفه الأخلاقي من العدالة والحرية.
لقد شكّلت السينما المصرية منذ الأربعينيات حجر الأساس في ترسيخ الوعي بالقضية نظرًا لانتشارها وتأثيرها الواسع، فجاء فيلم “فتاة من فلسطين” (1948) شاهدًا مبكرًا على اقتلاع شعب من أرضه ، وتبعه “أرض الأبطال” (1953) و”الله معنا” (1955) ليكشفا أبعاد الهزيمة العربية والمؤامرات التي أحاطت بها لعبت هذه الأعمال دورًا محوريًا في صياغة سردية عربية واضحة في مواجهة الدعاية الصهيونية.
روايات غسان كنفاني
وفي الستينيات والسبعينيات اتخذت السينما العربية منحى أعمق وأكثر جرأة فاستلهمت روايات غسان كنفاني لتقدّم أفلامًا مثل “رجال تحت الشمس” (1970) و”المخدوعون” (1972)، التي طرحت أسئلة الوعي والضياع والبحث عن الخلاص أما فيلم “كفر قاسم” (1974) فكان كسرًا لحاجز الصمت عن المجازرالإسرائيلية مؤكدًا أن الفن قادر على فضح التاريخ الدموي دون مواربة.
وخلال التسعينيات أعاد فيلم ناجي العلي (1992) للراحل عاطف الطيب تسليط الضوء على رمزية حنظلة وعلى المبدع الذي تحوّل صوته ورسوماته إلى ضمير عربي يقاوم النسيان.
حضور الانتفاضة والمقاومة
ومع الألفية الجديدة عاد حضور الانتفاضة والمقاومة إلى الشاشة العربية عبر أصحاب ولا بيزنس (2000) ثم عبر أعمال عربية أخرى مثل الفيلم الأردني فرحة (2023) الذي قدّم النكبة بعيون طفلة صغيرة وفيلم مملكة النمل لشوقي الماجري الذي وثّق حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال بصمت وعناد.
أما الدراما التلفزيونية فكان لها دور موازٍ لا يقل أهمية. فقد شكّل مسلسل التغريبة الفلسطينية لحاتم علي والاجتياح ومليحة وأم الياسمين محطات كبرى في ترسيخ الوعي الجمعي العربي بالقضية وتجسيد المعاناة اليومية للفلسطينيين ضمن سردية إنسانية وسياسية واضحة.
حماية الحقيقة
اليوم ومع تصاعد المأساة الفلسطينية وتعقّدها تواصل السينما العربية دورها الطبيعي في حماية الحقيقة كما في فيلم” صوت هند رجب” للمخرجة كوثر بن هنية الذي كشف جراح غزة وأعاد إلى الواجهة رمزية الطفولة المذبوحة لقد أثبت تاريخ السينما العربية أنها ليست مجرد صناعة فنية بل منظومة مقاومة تحفظ الذاكر وتواجه النسيان وتدافع عن الحق الفلسطيني في عالم تتضاعف فيه حملات التضليل.
وهكذا تبقى السينما العربية موقفًا وانتماءً وذاكرةً حيّة وشريكًا أصيلًا في حماية الرواية الفلسطينية وصناعة الوعي العربي المقاوم.
