محمد قناوي يكتب : مهرجان VS-FILM… حين تلتقي ضفّتا البحر والسينما

على شاطئ العين السخنة، حيث يلتقي الموج بالضوء، وتمتزج ملوحة البحر ببريق العدسات، انطلقت الدورة الثانية من مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدًا في مشهد أقرب إلى افتتاح فيلم ملهم عن الحلم السينمائي العربي. كان البحر خلفية مثالية لاحتفاليةٍ تؤكد أن السينما ليست مجرد عرض على شاشة، بل طقس إنساني يربط الجمال بالذاكرة، والخيال بالواقع

الافتتاح.. مشهد يبدأ بالموسيقى وينتهي بالذكاء الاصطناعي

الافتتاح جاء محكمًا في إيقاعه البصري والدرامي. بدأ بلحن الكمان الشجي لعمر درويش، يتهادى على أنغام “غنيلي شوي شوي” تحيةً لأم كلثوم، وكأنه يربط بين تراث الغناء العربي وإيقاعات المستقبل السينمائي. ثم انطلقت “تميمة المهرجان” في استعراض راقص على أنغام إلكترونية، لتؤكد تزاوج التراث بالتكنولوجيا، قبل أن يفاجئ المهرجان جمهوره بفيلم منفذ بالكامل بتقنيات الذكاء الاصطناعي تتحدث فيه التميمة عن “سينما المستقبل”… كأنها نجمة من زمن قادم تحاور الحضور بلغتهم وتحلم بلغتها الخاصة.

دروع التكريم… رموز في مشهد جماعي واحد

كرم المهرجان أربعة من رموز السينما العربية:

  • أشرف عبد الباقي الذي بدا وكأنه يجسد جيلًا صنع البهجة وعلّمنا أن الضحك أيضًا موقف من الحياة.
  • حنان مطاوع التي جاءت كأنها تنطق بلسان السينما الإنسانية، إذ قالت: “الإبداع ليس بطول المشهد، بل بعمق التأثير.” جملة تصلح أن تكون شعارًا لفن الأفلام القصيرة جدًا.
  • هالة صدقي التي حملت في حضورها دفء التاريخ الشخصي ومكرمات الشاشة، وأعادت ربط المهرجان بذاكرة المكان قائلة إنها من أوائل سكان العين السخنة، وكأنها تعيد تعريف العلاقة بين المكان والفن.
  • وأخيرًا عباس بن العباس، الأب الروحي للرسوم المتحركة العربية، الذي ذكّر الجميع أن الصورة المتحركة تبدأ دومًا بحلم صغير وجرأة كبيرة.
تزامن رمزي مع المتحف المصري الكبير

كان لافتًا أن يأتي المهرجان متزامنًا مع حدث عالمي هو افتتاح المتحف المصري الكبير. وكأن السينما هنا تكمل الحكاية المصرية الممتدة بين “المومياء” و”المستقبل الرقمي”، بين ذاكرة الحضارة ونبض الشاشة. قال محافظ السويس اللواء طارق الشاذلي إن الفن هو الوجه المشرق لمصر، وهي عبارة تلتقط جوهر الفكرة: أن الثقافة ليست ترفًا، بل طريق للهوية الوطنية.

من “السويس مدينتي” إلى ٣٠٠ فيلم قصير جدًا

اختتم الحفل بعرض فيلم “السويس مدينتي” للمخرج الراحل علي عبد الخالق، مدته تسع دقائق فقط، لكنها تسع دقائق تختصر تاريخًا من الصمود والحب والانتماء، وهنا يظهر المعنى الحقيقي للأفلام القصيرة جدًا: أن الكثافة يمكن أن توازي العمق، وأن لحظة واحدة قد تختصر حياة كاملة.
كما كشف المدير التنفيذي للمهرجان زياد باسمير أن الدورة الحالية استقبلت أكثر من ٣ آلاف فيلم من مختلف دول العالم، اختير منها ٣٠٠ فقط للعرض، مما يعكس تنامي ثقة السينمائيين العرب والدوليين في هذا المنبر الجديد.

رؤية ختامية

مهرجان VS-FILM في دورته الثانية لم يكن مجرد حدث فني، بل تجربة بصرية وفكرية تعيد تعريف مفهوم “الفيلم القصير جدًا” كفنّ قائم على الومضة، المشهد الواحد، والفكرة المركّزة التي تنفجر كوميض خاطف في وجدان المشاهد.

في هذا المهرجان، السينما لم تعد مجرد وسيلة سرد، بل أصبحت لغة زمنية جديدة تكتب فيها الحكايات بسرعة الضوء، وتحفر في الذاكرة ببطء البحر

وبين “السويس مدينتي” و”تميمة الذكاء الاصطناعي”، بدا وكأن المهرجان يعلن عن ميلاد جيل سينمائي عربي جديد، لا يخاف التجريب، ولا يهاب القِصر، لأن كل ومضة خيال قد تكون فيلمًا كاملاً حين تلامس القلب.