يقدّم مسلسل «ورد وشوكولاتة» تجربة درامية مشحونة بالتوتر والالتباس الأخلاقي، تستحضر واقعة حقيقية هزّت المجتمع في الماضي القريب، وهي قضية المذيعة شيماء وزوجها القاضي، وهي القصة التي أكدت والدة الضحية في عدة برامج أنّ المسلسل أعاد تمثيل تفاصيل الجريمة “بالحرف”، هذا الظلّ الواقعي يمنح العمل ثقله الأول ويضع المشاهد منذ البداية أمام دراما لا تكتفي بالخيال، بل تستدعي ألمًا حقيقيًا.
تبدأ الأحداث بفلاش باك صادم، حين يقرر صلاح – محمد فراج- الانفصال عن مروة – زينة- ، فيعتدي عليها بعنف حتى تفقد جنينها، هذا المشهد يؤسس لعلاقة غير متكافئة، يحكمها الاستحواذ لا الحب، ويمنح الحكاية نبرة داكنة تصاحبنا طوال العمل، وفي الحاضر، نرى مروة – الصحفية والإعلامية الصادمة وصاحبة الصوت العالي- تستضيف المحامي النافذ صلاح في برنامجها، لتبدأ علاقة مشتعلة بينهما، تتأرجح بين الانبهار والتلاعب والسيطرة.
الأداء التمثيلي
قدّمت زينة واحدًا من أكثر أدوارها نضجًا، امرأة قوية من الخارج لكنها هشّة داخليًا، تقع في فخّ رجل يمتلك نفوذًا عاطفيًا واجتماعيًا أداؤها يجمع بين الانفعال والحضور العاطفي، خصوصًا في مشاهد الشجار والانكسار.
أما محمد فراج فيقدّم شخصية مركّبة بذكاء لافت محامٍ لبق وتاجر مشاعر، يضع قناعًا رقيقًا يخفي وراءه طبقات من العنف، والأنانية، واحتقار الآخرين، حركته البطيئة وصوته الخافت يكشفان شرًا داخليًا أكثر مما يعلنان.
وتتألّق صفاء الطوخي في أول تجسيد لها لدور أمّ من الطبقة الشعبية، أمّ تستغل ابنتها دون خجل، وتتعامل معها باعتبارها “مشروع مكسب”، تقدّم الطوخي شخصية فجة، ساخرة، وواقعية إلى حد القسوة، تضيف عمقًا اجتماعيًا للعمل وتوضح كيف تترك الضحية أحيانًا بلا سند حتى داخل عائلتها.
الكتابة وصناعة الصراع
يقدّم محمد رجاء سيناريو قائمًا على التصعيد المستمر، فالعلاقة بين مروة وصلاح لا تستقرّ لــ لحظة، ما إن تتقارب الشخصيتان حتى يظهر طرف ثالث طليق مروة، زوجة صلاح، مدير مروة، أو العائلة التي تحاصر الجميع، الصراع هنا ليس عاطفيًا فقط، بل اجتماعي ونفسي، بينما يستخدم الكاتب فكرة “الفيديوهات السرّية والتهديد بالفضيحة كأدوات كشف وليس كحبكة مبتذلة.
الإخراج والإيقاع
يستخدم محمد جمال العدل لغة بصرية تعتمد على الحركة الإنسيابية للكاميرا داخل المشاهد العاطفية، ثم يقطعها بزوايا حادة في مشاهد العنف والتهديد، فيخلق توترًا بصريًا موازيًا للتوتر الدرامي، تظهر حرفيته خاصة في الحلقة قبل الأخيرة داخل المزرعة؛ حيث يتحول المكان الهادئ إلى مسرح للجريمة.
الإضاءة والموسيقى
تبنى الإضاءة على تباين واضح بين دفء مشاهد الحب وبرودة المساحات التي يكشف فيها صلاح وجهه الحقيقي، الضوء القاسي على وجه مروة في لحظات الخوف يعكس تحوّلها من امرأة عاشقة إلى ضحية محاصرة، وتأتي الموسيقى لتضيف نبرة نفسية ثقيلة، تعتمد على تكرار جملة لحنية قصيرة توحي بالملاحقة والترقّب.
الذروة والنهاية
يتصاعد التشابك وصولًا للمواجهة الكبرى، حين تنتقل مروة إلى منطقة التهديد المباشر وتبدأ بنشر أسرار علاقتها بصلاح، فيتفق الأخير مع صديقه وليد على التخلص منها. المشهد الذي يأخذها فيه إلى المزرعة- دون علمه بأنها زرعت كاميرات ترصد تحركاته – يمثل لحظة الذروة تنفجر الوحشية كاملة ضرب، تشويه، ودفن .. نهاية مفجعة تتوازى مع نهاية القصة الحقيقية التي يستند إليها العمل.
«ورد وشوكولاتة» ليس مجرد مسلسل عن الحب السام، بل عمل يستدعي جروحًا اجتماعية حقيقية حول العنف ضد النساء حين يتحول النفوذ إلى سلاح والسرّ إلى فخ، وبين أداء تمثيلي قوي وإخراج محكم وصراع واقعي، ينجح المسلسل في ترك بصمة خاصة، ويطرح سؤالًا لا يغلق: كم من الجرائم مثل قصة مروة ترتكب في الظل دون أن تتحول إلى عمل درامي يكشفها.
