نايل سينما..من ناقل للحدث إلى شريك في صناعة المشهد السينمائي

بقلم : محمد قناوي

تقدّم تجربة قناة نايل سينما في تغطية المهرجانات السينمائية نموذجًا مهنيًا لافتًا لتحوّل القنوات المتخصصة من مجرد وسيط إعلامي ينقل الحدث، إلى شريك فعلي في صناعته وصياغة صورته أمام الجمهور.

فالحضور الدائم على «السجادة الحمراء» لم يعد مقتصرًا على البث المباشر، بل أصبح جزءًا من مشروع متكامل يقوم على بناء صورة ذهنية للمهرجان، وتوثيق لحظاته المفصلية، وصناعة ذاكرة بصرية قادرة على البقاء بعد انتهاء الفعاليات.

الرهان على الاستمرارية

أبرز ما يميّز هذه التجربة هو الرهان على الاستمرارية؛ إذ لا تتعامل نايل سينما مع المهرجانات بوصفها مناسبات موسمية عابرة، بل كمسار عمل ممتد يبدأ قبل الافتتاح ولا يتوقف عند الختام. هذا الحضور المتواصل أسهم في بناء علاقة ثقة بينها وبين إدارات المهرجانات، تُرجمت إلى حصول القناة على حقوق النقل الحصري والمباشر لعدد كبير من الفعاليات السينمائية.

كما تحسب لنايل سينما حرفية إدارة الصورة، من خلال تنوّع الرؤى الإخراجية وتعدد فرق العمل، بما يمنح التغطيات روحًا متجددة ويجنبها الوقوع في النمطية، ويعزز ذلك الاعتماد على إعلاميين لديهم خبرة ومعرفة حقيقية بالشأن السينمائي، ما يضفي على التغطية عمقًا تحليليًا، بعيدًا عن الأداء الاستعراضي السطحي الذي يطغى أحيانًا على هذا النوع من التغطيات.

جسر ثقافي

ومن زاوية أوسع، يمكن النظر إلى نايل سينما باعتبارها جسرًا ثقافيًا يربط الجمهور العام بالمشهد السينمائي المتخصص؛ فهي لا تخاطب النخبة فقط، بل تعيد تقديم الحدث بلغة إعلامية وبصرية قادرة على جذب المشاهد غير المتخصص، بما يسهم في توسيع دائرة الاهتمام بالسينما والمهرجانات.

نماذج عملية

وتتجلى هذه الرؤية بوضوح في نماذج عملية؛ ففي مهرجان بورسعيد السينمائي الدولي بدورته الأولى، ظهرت القناة كشريك في صناعة الحدث عبر نقل حصري لحفلي الافتتاح والختام، بإخراج منى أحمد وإيمان الشرقاوي، وإعداد منى عمري، وتقديم رباب الشريف. وقد منحت هذه التوليفة المهنية المهرجان الوليد صورة إعلامية قوية أسهمت في ترسيخ حضوره على خريطة المهرجانات.

وتكرّس الدور ذاته في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، من خلال بث مباشر لحفلي الافتتاح والختام بإخراج دعاء أحمد، وإعداد سيد شعبان، وتقديم رباب الشريف، في تغطية أكدت قدرة نايل سينما على التعامل مع مهرجانات عريقة، مع الحفاظ على توازن دقيق بين الاحتفال والتحليل.

أما في مهرجان الجونة السينمائي الدولي، فقد اختارت القناة أسلوب المتابعة اليومية من قلب الفعاليات، عبر فريق عمل قاده المخرج كريم سمير، وشاركت فيه الإعلامية رباب الشريف، مع إعداد سيد شعبان ومنى عمري. وهنا تجاوزت التغطية حدود الرصد إلى تقديم قراءة شاملة لحراك المهرجان وصناعة حالة تواصل مستمرة مع الجمهور.

دعم المهرجانات المتخصصة

وفي مهرجان الفيوم لسينما البيئة (الدورة الثانية)، أتاحت التغطية التي أخرجها ثروت مصطفى مساحة مهمة لإبراز مهرجان نوعي يحمل رسالة بيئية وثقافية، مؤكدة التزام نايل سينما بدعم المهرجانات المتخصصة ومنحها حضورًا إعلاميًا لا يقل أهمية عن المهرجانات الكبرى.

وامتد هذا الحضور عربيًا عبر نقل حفل افتتاح مهرجان أيام قرطاج السينمائية الدولي على الهواء مباشرة، في مؤشر واضح على ثقة المهرجانات العربية في القناة كمنصة قادرة على تقديم الحدث بصورة تليق بتاريخه ومكانته.

كما تواصل المسار مع تغطية المهرجان الدولي للأفلام بوجدة بالمغرب بإخراج محمود عمارة وتقديم مروة السيد، إلى جانب نقل حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي للفيلم القصير في دورته السابعة، بإخراج دعاء أحمد ومنى أحمد، وإعداد منى عمري ومحمود عبود.

سردية بصرية وتحليلية

في المحصلة، تؤكد هذه التجربة أن التغطية السينمائية ليست مجرد كاميرا تنقل الحدث، بل سردية بصرية وتحليلية تصنع قيمة مضافة للمهرجان. وبهذا تتحول نايل سينما من ناقل للفعاليات إلى فاعل أساسي في المشهد السينمائي، يواكب المهرجانات، ويمنحها عمقًا وذاكرة تتجاوز لحظة العرض، ويضع القناة في موقع الريادة كمنصة ثقافية وإعلامية تسهم في تشكيل الوعي السينمائي العربي.