تستقبل مدينة الجونة علي ساحل البحر الأحمر مساء اليوم، الدورة الثامنة للمهرجان السينمائي الذي يحمل اسمها، ويتخذ من النجمة ” الصدفة” والمستوحاه من أجوائها الساحلية شعارا له ، ولتعبر عن رمز النور والإلهام والضوء الذي تهديه السينما إلى العالم، وعن دور المهرجان في الكشف عن المواهب والأفكار الجديدة.
عاد مهرجان الجونة في دورته الثامنة ليؤكد مجددًا مكانته كأحد أبرز المهرجانات السينمائية العربية ذات الصدى الإقليمي والدولي، ثمانية أعوام من التجربة كانت كفيلة بتحويل الجونة من حدث فني لامع إلى مختبر متكامل لصناعة السينما، حيث تلتقي الأفكار والتقنيات والطموحات في مدينةٍ تحولت إلى فضاءٍ للسينما والحوار الثقافي.
الأمن الغذائي
وتأتي هذه الدورة تحت عنوانٍ إنساني بامتياز، هو «الأمن الغذائي»، لتفتح النقاش حول دور الفن في الوعي المجتمعي والتأثير الواقعي، في زمنٍ تتعاظم فيه الأزمات العالمية.
حيث تضع إدارة المهرجان هذا العام قضية الأمن الغذائي في قلب الفعاليات؛ ليس كشعار بل كمحورٍ رئيسي تتقاطع معه العروض، الندوات، والحوارات العامة، تلك الخطوة تعكس رؤية ناضجة تؤمن بأن السينما ليست ترفًا جمالياً، بل وسيلة لفهم العالم والتفاعل معه.
يسعى مهرجان الجونة منذ انطلاقه إلى أن يكون منصةً فاعلة تربط بين الإبداع الفني والمسؤولية الاجتماعية، ويستفيد من حضوره الدولي في تكريس صورة مصر كمركز ثقافي يمتلك الوعي الإنساني والحس الكوني في آنٍ واحد.
تضم الدورة الثامنة أكثر من 70 فيلمًا من 40 دولة، مع حضورٍ لافتٍ للسينما المصرية والعربية التي تشارك بخمسة أفلام في المسابقات الرسمية، إلى جانب فيلم الافتتاح «عيد ميلاد سعيد» للمخرجة سارة جوهر، الذي يشكّل إشارة رمزية لرهان المهرجان على الأصوات النسائية الواعدة ، هذا التنوع الجغرافي والفني يترجم فلسفة الجونة القائمة على الانفتاح والتوازن بين هوية المكان وكونية الفن، حيث تلتقي التجارب الصاعدة مع الأسماء الراسخة في حوارٍ سينمائي غنيّ بالاختلاف.
«سيني جونة»..سوق الصناعة
لم يعد المهرجان مجرد مساحة للعرض والتكريم، بل صار منصة إنتاج وتطوير من خلال سوق الصناعة المعروف بـ«سيني جونة» ، هذا الجناح المهني يمنح المهرجان بعدًا اقتصاديًا وتنمويًا، إذ يجمع المنتجين والموزعين والمبدعين في بيئة تشجع الشراكة والتجريب، ما يجعل الجونة فاعلاً مؤثرًا في بنية صناعة السينما العربية، لا مجرد واجهة إعلامية موسمية.
تحافظ الدورة الثامنة على بعدها الاحتفالي من خلال تكريمات لنجوم وصناع مؤثرين، في مقدمتهم الفنانة منة شلبي التي تمنح جائزة الإنجاز الإبداعي، والمخرج شريف عرفة ، إلى جانب احتفاء خاص بمئوية المخرج الكبير يوسف شاهين، مما يعيد وصل الجيل الجديد بجذور السينما المصرية والعربية ، كما يحضر عدد من الضيوف العالميين مثل النجمة العالمية كيت بلانشت ليؤكدوا على استمرار الجونة كمحطة جاذبة للمواهب والإعلام الدولي.
رسّخ المهرجان ثلاث ركائز أساسية تمثّلت في الوضوح الموضوعي والرسالة الإنسانية، والتوازن بين الفن والصناعة، والقدرة على استقطاب الأسماء اللامعة مع الحفاظ على المضمون. ويبقى الرهان الأكبر أمام ادارته هو تحويل الحوارات والندوات إلى نتائج ملموسة بعد انتهاء الفعاليات، حتى لا تبقى القضايا الكبرى مجرد شعارات
علامة على نضج التجربة
تبدو الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي علامة على نضج التجربة واتساع آفاقها، ومع ذلك، يمكن تعزيز تأثيرها من خلال: صياغة وثيقة ختامية تلخص توصيات جلسات «الأمن الغذائي» وتترجمها إلى مبادرات واقعية بالشراكة مع مؤسسات محلية ودولية ، إتاحة مساحة نقدية أعمق بعد العروض لتشجيع الحوار الفني لا النجومي فقط، تطوير آليات تسويق للأفلام العربية داخل سوق الصناعة لفتح أسواق عرض جديدة.
بهذه الملامح، تبدو الجونة 2025 أكثر من مهرجان… إنها حالة فكرية وفنية تبحث عن توازنٍ بين السينما والإنسان، بين الصورة والواقع، في زمنٍ يحتاج فيه العالم إلى أن يرى بعيون الفن ما يعجز عن رؤيته بالسياسة وحدها