محمد قناوي يكتب: مصر على خريطة هوليوود من جديد

في خطوة قد تغيّر مستقبل الصناعة السينمائية في مصر، اعتمد مجلس الوزراء برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل البلاد، فاتحاً الباب أمام مرحلة جديدة تتعامل فيها الدولة مع الإنتاج السينمائي العالمي بمنطق الاستثمار لا الإجراءات، وبالرؤية لا الردّ السريع، إنها لحظة مفصلية تعيد مصر إلى موقعها الطبيعي على خريطة الإنتاج الدولي، بعد سنوات كان التصوير فيها “معركة إجراءات” أكثر منه فرصة اقتصادية.

اللائحة الجديدة تمنح لجنة مصر للأفلام بمدينة الإنتاج الإعلامي، صلاحيات مركزية واسعة، تتولى عبرها تنظيم التصاريح، التنسيق مع الجهات المختلفة، تيسير دخول المعدات، متابعة التصوير، وتقديم خدمات لوجستية متكاملة، والأهم: إطلاق نافذة رقمية واحدة تكون الجهة الوحيدة للتعامل مع كل طلبات التصوير الأجنبي ،وهي خطوة طال انتظارها.

نافذة واحدة.. وصناعة أقرب إلى العالمية

سنوات طويلة شكا فيها المنتجون الأجانب من تعقّد الإجراءات، وتضارب الجهات، وغياب جهة موحدة يمكن التعويل عليها، اليوم، تقدم مصر نموذجاً أكثر دقة في إدارة هذه الصناعة، مشابهاً لما تقدمه دول رائدة مثل المغرب والأردن والإمارات.

النافذة الواحدة تختصر الوقت، وتقلل التكلفة، وتلغي العشوائية، وتظهر الدولة ككيان يعرف لغة صناعة السينما الحديثة واحتياجاتها، إنها خطوة تحوّل مصر من بلد مليء بالمواقع إلى بلد مهيأ إنتاجياً، والفرق بينهما كبير.

لجنة مصر للأفلام.. عقل إداري واحد يقود المشهد

منح صلاحيات الترويج والتنفيذ والمتابعة للجنة واحدة يعني خطوة مؤكدة نحو احترافية أكبر. اللجنة لن تكتفي بتجميع الموافقات، بل ستقود: التسويق الدولي للمواقع المصرية .. تيسير دخول وخروج المعدات والكوادر.. ترشيح فريق التنفيذ المصري.. حلّ المشكلات أثناء عمليات التصوير تقديم الدعم اللوجستي الكامل للبعثات الأجنبية

بهذا تتحول مصر من موقع تصوير محتمل إلى حليف إنتاجي يبحث عن الشراكات ويجذبها.

الاستفادة لا تقف عند حدود جذب الأجانب، احتكاك الكوادر المصرية بفرق إنتاج عالمية سيخلق نقلة نوعية في مستوى التنفيذ، والمؤثرات، والديكور، وإدارة مواقع التصوير، إنها مدرسة مفتوحة، تعيد تأهيل الأيدي العاملة وترفع الكفاءة التقنية، ما ينعكس لاحقاً على جودة السينما المصرية نفسها.

صناعة بمليارات الدولارات 

صناعة السينما العالمية تضخ سنوياً مليارات الدولارات في الدول التي تستضيف أعمال التصوير، عبر إنفاق مباشر على الفنادق، المطاعم، النقل، المعدات، الكوادر، الخدمات، مواقع التصوير، والضرائب، وبحساب متوسطات الإنفاق العالمية، فإن كل يوم تصوير أجنبي يمكن أن يضخ بين 100 و300 ألف دولار داخل الاقتصاد المحلي، ناهيك عن إنفاق الشركات الكبرى الذي قد يصل إلى عشرات الملايين في المشروع الواحد.

إذا نجحت مصر في جذب 10–15 عملاً أجنبياً سنوياً، يمكن للدولة أن تحقق دخلاً بالدولار يماثل ما تحققه بعض الدول العربية من السينما وحدها،

سياحة تصنع على شاشة السينما

ما لا يقل أهمية هو الدعاية غير المباشرة التي تنتج عن تصوير أفلام عالمية في مواقع مصرية.. تجربة نيوزيلندا مع Lord of the Rings، والأردن مع The Martian وDune، أكبر دليل على قدرة الفيلم على تحويل المشاهد إلى سائح محتمل.. مصر، بتاريخها الفريد ومواقعها الطبيعية والفرعونية والمدنية، تمتلك مخزوناً بصرياً قادراً على تحويل كل ظهور سينمائي إلى حملة ترويجية عالمية مجانية.

توجيه الدولة نحو توفير حوافز للمشروعات السينمائية الكبرى خطوة اقتصادية ذكية، لأنها تستقطب أفلاماً ذات ميزانيات 50–200 مليون دولار، تنفق معظمها داخل البلد المستضيف، الحوافز هنا ليست دعمًا، بل استثمارًا يسترد مضاعفًا عبر الضرائب والإنفاق المباشر وحركة الفنادق والطيران والنقل والخدمات.

مصر تعود إلى دورها الطبيعي

اللائحة الجديدة ليست مجرد تبسيط للإجراءات، بل مشروع وطني لإعادة دمج مصر في سوق عالمي حجمه 180 مليار دولار سنوياً، يجمع بين صناعة السينما والسياحة والثقافة والاستثمار، وإذا تم تطبيقها بفاعلية، ستتحول مصر خلال خمس سنوات فقط إلى مركز إقليمي للإنتاج السينمائي، وستحصد دخلاً بالدولار يمكنه دعم الاقتصاد، وتحريك قطاعات كاملة، وتعزيز القوة الناعمة المصرية في العالم.. إنه قرار يفتح باباً واسعاً وعلى الصناعة الآن أن تمرّ منه