نورا أنور تكتب: «هيبتا 2» حين يصبح الحب معادلة رقمية

يبدو أن «هيبتا 2» لا يكتفي بأن يكون امتدادًا لفيلم رومانسي ناجح، بل يسعى لأن يكون تجربة فكرية جديدة تحاول إعادة تعريف المشاعر الإنسانية في زمن الذكاء الصناعي.

يبدأ الفيلم بمناظرة بين سارة – منة شلبي-، المرأة العملية الباردة التي تمثل صوت العقل العلمي، وبين أسامة – محمد ممدوح-، صاحب الرؤية الإنسانية التي ترفض اختزال المشاعر في أكواد إلكترونية، هذه المناظرة ليست مجرد حوار فكري داخل الفيلم، بل هي المدخل الفعلي لكل الحكايات التي يتشعب إليها السرد، إذ تفتح أمام المشاهد سؤالا فلسفيا عميقا هل يمكن أن ينجو الحب من هيمنة التكنولوجيا.

منذ المشهد الافتتاحي للفيلم، حيث تظهر منة شلبي على المسرح أمام جمهور غفير لتقدم مشروعها العلمي الجديد، وهو عبارة عن تطبيق قادر على “تبسيط الارتباط” وقياس المشاعر، يدرك المشاهد أن الفيلم يسعى إلى مناقشة التناقض بين العاطفة والذكاء الصناعي، وأنه أمام عمل يريد أن يناقش الحب ليس كحالة وجدانية، بل كمعادلة رقمية يمكن برمجتها.

من هذه اللحظة يتشكل خيط السرد بين العلم والعاطفة، بين الإنسان والآلة، بين القلب والعقل. لكن المدهش أن القصص الثلاث التي تروى خلال الفيلم ليست قصصا متفرقة كما يتخيل المشاهد في البداية، بل هي في جوهرها مراحل مختلفة من حياة سارة  الشخصية التي تجسدها “منة شلبي” في شبابها ونضجها وانكسارها.

القصة الأولي

في المرحلة الأولى تروي قصة فريدة – مايان السيد- ، ومصطفي – حسن مالك – نلتقي بسارة الفتاة الصغيرة التي فقدت أهلها وتبحث عن دفء مفقود في حضن علاقة عابرة مع شاب مستهتر، نراها تسقط في فخ الخداع باسم الحب، في بداية تشكلها العاطفي، وهي اللحظة التي تزرع فيها أولى بذور الحذر داخلها. هذه التجربة الصبا لم تترك جرحا عابرا، بل كانت النسخة الأولية من برنامجها العاطفي الذي سيعيد تشغيل نفسه في كل مراحل حياتها اللاحقة.

الحكاية الثانية

ثم ننتقل إلى مرحلة الزواج، بين مي – سلمى أبو ضيف –  وعمار- كريم قاسم- ،حيث تصبح سارة امرأة في مواجهة رجل متسلط، يفرض سطوته العقلية والجسدية تحت قناع الاستقرار. هنا تنكشف المعضلة الأهم في الفيلم حين يتحول الحب إلى نظام تحكم فالعلاقة بين الزوجين لا تبنى على الدفء بل على السيطرة، ويتحوّل الذكاء إلى سلاح، والعاطفة إلى ساحة اختبار، هذه القسوة المبطنة بالعقلانية تجعل الفيلم يمسك بخيط دقيق بين التحليل النفسي والواقعية الباردة، في مشاهد تحمل توترا مكتوما انعكس في أداء كريم قاسم وسلمى أبو ضيف، اللذين قدّما ثنائيا متماسكا رغم البرود الظاهر على سلوكهما.

الحدوتة الثالثة

أما المرحلة الأخيرة، المتمثلة في روان – جيهان الشماشرجي – وأدم – كريم فهمي – فهي أكثر نضجًا ووجعًا في الوقت نفسه.. نرى سارة المطلقة التي تحاول استعادة اتزانها، وتجد في صديقها القديم – كريم فهمي- مساحة أمان مؤقتة، لكن العلاقة التي بدت مريحة تنقلب بدورها إلى منطقة رمادية، حين يتحوّل الصديق إلى عاشق، والعهد إلى خيانة للمبدأ.. هنا يعيد الفيلم طرح سؤاله المركزي

هل يمكن للحب أن يعاد برمجته دون أن يفقد روحه؟

الفيلم يختار أن يسرد من خلال وجهة نظر “الذكاء الصناعي” الذي يراقب المشاعر ويفسرها، وكأنه يحاول أن يفهم ما لا يمكن حسابه ، وكما قدم في الفيلم شريك او ونس سارة  نوح – هشام ماجد – وهي شخصية من صنع الذكاء الاصطناعي، نظاما إلكترونيا يستحضر التجارب العاطفية لسارة كمادة تحليل. المفارقة أن هذا النظام، رغم دقته وذكائه، يفشل في التنبؤ بشيء واحد عشوائية القلب الإنساني.

ورغم طموح الفكرة إلا أن التنفيذ لا يخلو من تعثرات فمدة الفيلم التي تجاوزت الساعتين أضعفت الإيقاع، وجعلت بعض المشاهدين يفقدون التركيز وينصرفون قبل النهاية، كما أن بعض اللقطات، خاصة في قصة “مي وعمار”، جاءت ضيقة بصريا ومغلقة الإطار، مما قلل من حيوية الصورة وضيق مساحة التنفس الدرامي وبدا أن المخرج أراد أن يعبر عن الانغلاق النفسي عبر الكادر، لكنه أفرط في ذلك حتى فقدت الصورة جزءًا من جاذبيتها.

توزيع البطولة

يحسب لـهادي الباجوري أنه اختار توزيع البطولة على مجموعة من الوجوه البارزة، بحيث يخلق تنوعًا بصريًا وشخصيًا يمنح كل قصة نكهتها الخاصة

وقدمت منة شلبي أداء ناضجا ومضبوطا، عبر شخصية تعيش صراعا بين المنطق والعاطفة، في توازن دقيق بين البرود الخارجي والارتباك الداخلي

أما محمد ممدوح فكان في واحد من أكثر أدواره صدقًا، إذ منح “أسامة” عمقا إنسانيا يجمع بين الحكمة والتعب، وجعل من صوته في المناظرة ضمير الفيلم

ويمثل كريم قاسم وسلمى أبو ضيف الثنائي الأكثر اتزانا في الفيلم، حيث تجسدت العلاقة بينهما كصراع صامت بين الرغبة في الفهم والخوف من التكرار.

المزج بين الواقعية البصرية والخيال العلمي

أما الإخراج فقد حاول المزج بين الواقعية البصرية والخيال العلمي، لكنه لم ينجح دائمًا في ضبط التوازن بينهما بعض المشاهد بدت متقنة من حيث الإضاءة والتصميم البصري، بينما افتقرت أخرى إلى الانسجام بين الصورة والمضمون، ومع ذلك، يحسب للفيلم جرأته في خوض منطقة جديدة في الدراما العاطفية المصرية، تجمع بين السينما النفسية وفلسفة الذكاء الصناعي.

في النهاية، “هيبتا 2” ليس مجرد تكملة لفيلم سابق، بل تجربة تبحث عن معنى الحب في زمن تتحكم فيه الخوارزميات. فيلم يسأل أكثر مما يجيب، ويحاول أن يقنعنا بأن المشاعر قد تقاس، لكن لا يمكن التنبؤ بها. وبينما يحاول الذكاء الصناعي أن يفهم الإنسان، يثبت الفيلم أن الإنسان وحده ما زال سرا عصيّا على الفهم.