كل أمة تحتاج إلى ضمير حي يحفظها من الإنحدار ، ويقودها نحو الحقيقة والعدل، هذا الضمير لا تصنعه القوانين وحدها ولا الخطابات الرسمية مهما ارتفعت شعاراتها بل يتجسد في قوتها الناعمة .. الصحافة والإعلام والفن هذه المجالات الثلاثة لا تكتفي بممارسة أدوارها الوظيفية، بل تتحول إلى مرآة لوجدان الناس وميزان لوعي المجتمع وصوت للحق حين يصمت الآخرون.
فالصحافة حين تنحاز إلى المواطن وتكتب من قلب الشارع لا من مكاتب التكييف تصبح ضمير الأمة بالفعل. الصحافة الصادقة هي التي تفتح الملفات المسكوت عنها وتضع السلطة أمام مسؤوليتها وتحاسب الفساد أيا كان مصدره
في ثورة ١٩١٩ لعبت الصحافة دورا أساسيا في تحريك الجماهير، فكانت مقالات قادة الرأي مثل محمد حسين هيكل، وعبد الرحمن الرافعي ، جرس إنذار وصرخة وعي في وجه الاحتلال.. الصحافة حين تكون يقظة قد تغير مصير أمة بأكملها.
حرية للوصول إلى المعلومة
أما الإعلام، فلا يقل خطورة عن الصحافة بل ربما يمتلك تأثيرا أوسع بحكم انتشاره وقدرته على الوصول المباشر إلى كل بيت.. الإعلام حين يمنح الحرية للوصول إلى المعلومة ويقدمها بلا تزويق أو اجتزاء يبني وعيا جمعيا راسخا
في مصر أدت الإذاعة دورا حاسما لشحذ همم الشعب المصري خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ حين بثت البيانات العسكرية التي انتظرها المصريون بشغف فكانت بمثابة نبض الأمة.. الإعلام النزيه يطرح الأسئلة الكبرى ويمنح الناس أدوات التفكير الحر أما الإعلام المضلل فلا يكتفي بقتل الحقيقة بل يقتل معها وعي الناس ويجعل الأمة تسير في الظلام
اما الفن هو ركنا لا غنى عنه من أركان الضمير الجمعي فالفن الصادق لا يقتصر على الإمتاع والتسلية فقط بل يدون التاريخ ويؤرخ للحظات الانتصار والانكسار معا
المسرح المصري منذ بدايته كان يهتم بهموم المجتمع يعقوب صنوع ويوسف وهبي كانوا مهمومين بالوعي الاجتماعي والسياسي والسينما المصرية سجلت بواقعية هموم المجتمع من أفلام صلاح أبو سيف التي طرحت قضايا الفقر والعدالة إلى أعمال يوسف شاهين التي فتحت أسئلة الهوية والحرية
صوت أم كلثوم
والغناء ما زال صوت أم كلثوم في “مصر تتحدث عن نفسها” شاهدا على لحظة وطنية فارقة بينما حمل عبد الحليم حافظ وجيله صوت الثورة وأحلام التغيير
أما الفن التشكيلي فلوحة “زهرة الخشخاش” لفان جوخ لم تكن مجرد ألوان بل صارت جزءا من الذاكرة الإنسانية كما وثقت جداريات جبران خليل جبران وآخرين قضايا وجودية وجمالية لا تقل أهمية عن النصوص المكتوبة
الفنان حين يبدع بصدق يصبح شاهدا على عصره وصوتا للذين لا صوت لهم أما حين ينشغل بالتزييف أو الاستسهال فإنه يضلل الناس بدل أن ينير وعيهم
الصحافة والإعلام والفن ليست جزرا منعزلة بل قوى متكاملة تشكل معا ضمير الأمة الصحافة تبحث عن الحقيقة وتوثقها الإعلام يوسع مجال تداولها ويصل بها إلى الناس والفن يمنحها بعدا إنسانيا خالدا بهذا التكامل وحده يتشكل الضمير الجمعي وإذا غاب أحد هذه الأركان أو انحرف عن مساره اختل الوعي العام وفقد المجتمع توازنه
إن ضمير الأمة ليس شعارا يرفع في المناسبات بل ممارسة يومية يقوم بها الصحفي حين يكتب بصدق والإعلامي حين ينقل الحقيقة والفنان حين يبدع بلا تزييف
فإذا اجتمع هؤلاء على أداء أدوارهم النزيهة ظلت الأمة يقظة حرة وصاحبة صوت مسموع، أما إذا غابوا غاب معها الضمير وصارت الأمة جسدا بلا روح يدار من الخارج بدل أن يقوده وعيه الداخلي