محمد قناوي يكتب : «ليلى.. أميرة القلوب»..فنانة صنعت مجدها بالصدق

شهدت فعاليات الدورة الـ41 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، كتاب جديد بعنوان «ليلى.. أميرة القلوب» للكاتبة هبة شوقي، وهو عمل نقدي وفكري يتجاوز التوثيق إلى التأمل الفلسفي في تجربة الفنانة ليلى علوي، التي أصبحت رمزًا للمرأة المصرية في تحولاتها الاجتماعية والإنسانية.

الكتاب لا يقدّم سيرة تقليدية، بل يكتب «ليلى» كحالة فنية وإنسانية، تتقاطع فيها السينما مع الوطن، والأنوثة مع الفكر، والموهبة مع الوعي. فهبة شوقي تنظر إلى بطلتها بوصفها فنانة احترفت النضج، لم تركض خلف الشهرة، ولم تخضع لموجات السوق، بل آمنت بأن الفن رسالة ومسؤولية قبل أن يكون مهنة أو زينة للحياة.

تبدأ الكاتبة نصها بمقدمة تأملية على لسان «الفن» نفسه، تحاوره وتسأله عن سحر ليلى علوي، فيجيب بأن سرها في صدقها؛ فهي لم تمثل لترى، بل ليتأمل الناس أنفسهم من خلالها. ومن هنا يخرج الكتاب عن حدود السرد إلى قراءة فلسفية لمعنى التمثيل كوعي بالحياة، حيث تتحول الممثلة إلى مرآة للجمهور ولزمنها معًا.

ابنة جيل وزمن

ترى المؤلفة أن ليلى علوي لم تكن مجرد «نجمة»، بل ابنة جيل وزمن، عبّرت بموهبتها عن مصر وهي تمر بتحولات اجتماعية واقتصادية كبرى منذ السبعينيات. فقد جاءت إلى الشاشة في وقت كانت فيه السينما تبحث عن وجه جديد يعكس التناقضات بين الريف والمدينة، بين الأصالة والتجديد. وفي تلك المساحة وجدت ليلى مكانها الطبيعي، ممثلةً تجمع بين براءة البساطة وأناقة الوعي.

يتوقف الكتاب عند أبرز محطات مسيرتها في أفلام مثل «خرج ولم يعد» و«يا دنيا يا غرامي» و«المصير» و«ألوان السما السابعة»، ليثبت أن الفنانة لم تكرر نفسها، بل اختارت بعناية أدوارًا تمثل الإنسان قبل الشخصية، وتعبر عن هموم المجتمع لا عن بريق الشهرة. كانت توازن دائمًا بين ما يطلبه الجمهور وما تحتاجه الروح، فحافظت على مكانة خاصة في ذاكرة المشاهد المصري والعربي.

 

البعد الإنساني

وتذهب الكاتبة أبعد من التحليل الفني إلى البعد الإنساني، إذ ترى في ليلى علوي رمزًا للمرأة المصرية التي تحب وتخطئ وتحلم وتتمرد، دون أن تفقد صدقها أو كرامتها. لذلك تحولت تجربتها إلى ما يشبه الوثيقة الاجتماعية لعقود طويلة، ترصد عبر الشاشة تحولات صورة المرأة من الخضوع إلى المشاركة، ومن الهامش إلى الوعي.

لغة الكتاب شاعرية آسرة، تمزج النقد بالأدب، وتستدعي الفن كشخصية حيّة تُحاور الكاتبة وتكشف لها سر الإبداع. وفي هذه الصياغة الوجدانية يتحول النص إلى قصيدة في معنى الفن الصادق، وإلى مرثية جميلة لزمن كانت فيه السينما ابنة الناس لا صنيعة السوق.

في النهاية، لا يتعامل كتاب «ليلى.. أميرة القلوب» مع التكريم بوصفه احتفاءً شخصيًا، بل باعتباره احتفاءً بمرحلة كاملة من الوعي الفني والإنساني. فهو يذكّر بأن الفن لا يعيش بالأضواء بل بالصدق، وأن ليلى علوي لم تكرّم لأنها فنانة ناجحة فحسب، بل لأنها كرّمت الفن نفسه حين احترمته، وكرّمت المرأة حين مثّلتها بعمق وكرامة، وكرّمت الإنسان حين واجهت الصمت بالكلمة والضجيج بالحكمة.

كتاب «أميرة القلوب» ليس مجرد تحية لممثلة كبيرة، بل هو قراءة في وجدان أمة عبر وجه فنانة، استطاعت أن تجعل من حضورها مرآة لزمنها، ومن فنها وعدًا بأن الجمال الحقيقي لا يبهت مهما تغيّر الضوء