نورا أنور تكتب: «ورد وشوكولاتة».. حين يتحوّل الحب إلى سجن

يستعيد مسلسل “ورد وشوكولاتة”، بطولة زينة ومحمد فرّاج، وإخراج محمد العدل وتأليف محمد رجائي، قضيّة أثارت الرأي العام قبل سنوات، لكنّه لا يقرأ الحكاية كقضية جنائية فحسب، بل كـ”نموذج علاقاتي” انتاجي للعنف، العمل يترك التفاصيل المهنية متغيّرة، لكنه يحافظ على ما يهمّ، كيف يصبح الحب أداة امتلاك؟ وكيف يصمت المجتمع بينما تتكوّن الكارثة؟

المسلسل يقدّم رحلة بطيئة نحو التآكل النفسي، حيث لا يبدأ العنف بصوت مرتفع، بل بـ”اهتمام مبالغ فيه” يليه تدخّل تدريجي في حياة المرأة، ثم إحكام السيطرة حتى تبدو المقاومة مستحيلة. هذه الرحلة هي ما يجعله مهمًا، لأنها أكثر واقعية ومخيفة من أية لحظة عنف مفاجئ.

الرجل النرجسي

في قلب العمل شخصية الرجل التي يجسّدها محمد فرّاج: هادئ، محسوب، متماسك أمام الناس، لكنه في العلاقة يمارس تملّكًا صارمًا. المسلسل لا يقدّم هذا الرجل كـ”وحش فجّ”، بل كنموذج نرجسي يُعيد تشكيل واقع الحبيبة ليخدم رغبته في السيطرة، هو لا يطلب الامتثال بصخب، بل يطبّعه عبر ممارسات يومية: سيطرة على التواصل، الحدّ من المساحات المستقلة، وإعادة تعريف الحرية باسم “الاهتمام”.

هذا النوع من العنف -النفسي-أخطر لأنه ينهك الضحية تدريجيًا. ونقطة قوة العمل أنه يصوّر هذا التآكل بصورة متدرجة، حتى يرى المشاهد أن شيئًا ما «مفزع» يحدث داخل العلاقة قبل أن يتضح ما هو.

المرأة تتآكل

تقدم زينة أداءً متوازنًا يركّز على التفاصيل الصغيرة: نظرات، حركات، صمت له وزن، البطلة لا تنهار بصورة ميلودرامية؛ بل تفقد ذاتها قطعة قطعة. تنازلات، اعتذارات بلا سبب، خوف من إزعاج الآخر- كلها لحظات صغيرة تراكمت لتؤسس لسقوطٍ أكبر.

العمل يذكّرنا بأن الضحية ليست دومًا من تراه الوسائد والدموع؛ أحيانًا هي من تنسكب عليها الحياة دون أن تشعر متى فقدت صوتها.

فرخة تبيض ذهب

أحد أبرز مفاتيح العمل دور صفاء الطوخي كأم انتهازية؛ ليست معادية بصوت مرتفع، بل عملية وصامتة. ترى في زواج ابنتها فرصة اجتماعية  “فرخة تبيض ذهب” – فتدفع بها للأمام رغم التحذيرات، شرّ هذه الأم لا يبدو تقليديًا، بل يؤلم أكثر لأنه يحمل منطقًا اجتماعيًا واقعيًا: أولويات العائلة والمكانة فوق سلامة الفرد.

هذه القراءة تحوّل الصراع من فردي إلى اجتماعي الأم ليست مجرد شخصية ثانوية، بل جزء من البنية التي تسمح للعنف بالتمدد.

تلعب مها نصار دور الشاهدة المترددة، تلك التي ترى التحوّل وتختار الصمت، المسلسل يطرح سؤالًا واضحًا: هل يكفي أن “نعرف” ونبقى صامتين؟ هل يصبح الصمت نوعًا من المشاركة؟ هذه المسألة أخلاقية وقانونية؛ والمسلسل يربح حين يجعل المشاهد يشعر بحِمْل السؤال على عاتقه.

لغة الإخراج

يتعامل محمد العدل مع الحكاية بصورة تقليدية من حيث توظيف المشاهد القريبة للوجوه، والإيقاع الذي يترك الصمت يتكلم، الكاميرا قريبة، لا تفضح كل شيء، بل تريك تدريجيًا كيف يتآكل الداخل، الموسيقى لا تشرح؛ بل تهمس، فتزيد من توتر اللحظة دون مبالغة.

يطرح المسلسل تساؤلات: كيف تتشكل بنية السلطة داخل الأسر؟  وكيف تتعامل المجتمعات مع من يرتدون “قناع القانون” أو “قناع المكانة”؟ هل نحب من دون أن نخنق؟  وهل سنبقى شهودًا أم سنتحوّل إلى شركاء صامتين في ما قد يصبح جريمة؟

المسلسل يثبت أن العنف قد يكون عملية اجتماعية لا فعلًا فرديًا فقط، وأن حماية الأضعف تتطلب أن تراجع البنى الاجتماعية وليس فقط محاسبة الجريمة بعد وقوعها.

الخلاصة : ورد وشوكولاتة” ليس ترفيهًا خفيفًا؛ إنه مرآة يدعونا إلى أن نعيد النظر في مفاهيم الحب والرفض والملكية، وفي مسؤوليتنا تجاه من نعرف أن حياتهم تتآك