أحمد مراد في «القاهرة السينمائي»… بين سلطة الخيال وجرأة إعادة تشكيل البطلة المصرية

بقلم : محمد قناوي

ضمن فعاليات«أيام القاهرة لصناعة السينما» عقدت حلقة نقاشية بعنوان “نظرة متجددة إلى سينما أفلام النوع: رحلة الفيلم من عروض المهرجانات إلى المشاهد العادي”، تحدث خلالها كل من أحمد مراد ومفيدة فضيلة، وأدارالجلسة سيمونا نوبايل، في دار الأوبرا – المسرح المكشوف

وجاءت  الجلسة لتعيد طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة الكتابة السينمائية وحدود التجريب، لكنها في الوقت نفسه كشفت جوانب تستحق القراءة النقدية في مسيرة مراد وطرحه الفكري، وفي مشروعه الجديد «الست» الذي يعوّل عليه بوصفه عودة واعية للبطولة النسائية في السينما المصرية.

يقدّم مراد نفسه دائمًا بوصفه كاتبًا جاء من خلفية بصرية، لكن هذا التحول من الصورة إلى السرد يطرح تساؤلًا نقديًا:
هل يعتمد مراد على الصورة بوصفها أداة تولّد المعنى، أم أنه يبقى أسيرًا لها في بناء العالم الروائي؟

رغم أن أسلوبه يمنحه قدرة على خلق عوالم مشهدية حية، إلا أن هذا أحيانًا يجعل نصوصه أقرب إلى «storyboards» موسعة، تركز على الشكل قبل الجوهر، وعلى الإبهار قبل العمق الفلسفي. هذا النمط نجح جماهيريًا، لكنه يفتح نقاشًا حول مدى قدرة هذا التكوين على إنتاج سرد يشتبك مع الأسئلة الكبرى بعيدًا عن أدوات الإثارة.

التحرر من التصنيفات… أم إعادة تدويرها؟

يرى مراد أن الكاتب يجب ألا ينتمي إلى نوع واحد. رؤيته صحيحة ومهمة، لكن التمرد على التصنيفات لا يعني القفز بين الأنواع من أجل الدهشة فقط، بل البحث عن رؤية تُذيب هذه الأنواع في بناء عضوي متماسك ، في بعض تجاربه، خصوصًا «الفيل الأزرق 2»، تبدو الأنواع متراكبة أكثر من كونها متداخلة؛ الرعب بجوار الجريمة بجوار الفانتازيا دون اندماج كامل. النجاح الجماهيري لا ينفي وجود سؤال نقدي: هل يقود مراد الأنواع، أم أن الأنواع هي التي تقوده نحو وصفة جاهزة للجمهور؟

الفيل الأزرق»: بين الجرأة والاعتماد على الحيلة

يحكي مراد عن خوفه من كتابة الرواية، وعن كونها قد تكون «الأخيرة». نجاح العمل دليل قاطع على قدرته على مخاطبة ذائقة واسعة، لكنه يفتح سؤالًا آخر: إلى أي مدى اعتمد العمل على عناصر صادمة أكثر من اعتماده على بنية درامية عميقة؟ الرواية والفيلم معًا يعتمدان على التوتر والإيقاع المرتفع والغرائبيات، لكنهما في بعض اللحظات يتراجعان أمام الحاجة إلى تبريرٍ منطقي أو خلفية فلسفية تثري العالم ولا تجعله قائمًا فقط على «اللذّة المشهدية». نجاح العمل لا يلغي هذا الخلل الدرامي الذي يستحق التأمل.

الإغراق الروائي… رؤية تشخيصية بلا حلول

يشير مراد إلى ازدحام السوق بالمنتجات الروائية. الملاحظة دقيقة، لكنها تظل محطة تشخيص فقط. النقد الحقيقي يحتاج رؤية حول دور الكاتب صاحب الجماهيرية في فتح مسارات جديدة، أو دعم تيارات كتابة مختلفة، أو تقديم تجارب تمنح السوق معيارًا فنيًا وليس مجرد تنبيه ، بمعنى آخر: هل يقع مراد جزءًا من هذا الازدحام الذي ينتقده؟ سؤال مشروع، لأن رواياته تتحول إلى منتجات متعددة الأجزاء تقدّم نفسها بسهولة للسوق والمنصات.

الست»: بطولة نسائية أم بطولة ذكورية بوجه نسائي؟

هنا يبرز أهم ما جاء في الندوة: مراد يفاخر بأن فيلم «الست» يخلو من أكشن وفانتازيا، وأنه عمل إنساني خالص يعيد الاعتبار للبطولة النسائية ، الرؤية طموحة، خصوصًا مع تراجع حضور المرأة كبطلة مركزية في السينما المصرية. لكن النقد الحقيقي يجب أن ينتظر بنية العمل نفسها: هل سيقدم مراد امرأة من لحم ودم، ذات إرادة وصراع ورؤية؟ أم ستكون مجرد موضوع تُسلّط عليه كاميرا رجل يحكي قصتها من الخارج؟

تاريخ السينما العربية مليء بتجارب تدّعي البطولة النسائية لكنها تستخدم المرأة كأداة رمزية. نجاح «الست» فنياً سيتوقف على قدرة مراد ومروان حامد على كسر هذا الموروث، وعلى تقديم منظور يشقّ الداخل الإنساني للبطلة بعيدًا عن «التمثيل» أو الاستسهال

بين السينما والمهرجانات والمنصات… أين يقف مراد؟

يتحدث مراد عن المنصات وذكاء السوق والذكاء الاصطناعي، لكن رؤيته تبدو أقرب إلى الدفاع عن «صناعة تحقق التوازن» أكثر من كونها طموحًا لتغيير القواعد، هو كاتب يجيد مخاطبة الجمهور الواسع، لكنه بعيد – حتى الآن – عن أن يكون «صاحب مشروع فكري» يستخدم السينما لإعادة صياغة الأسئلة الاجتماعية والإنسانية، ورغم ذلك، أفلامه ورواياته تظل علامات في السوق، لكنها تحتاج إلى مزيد من الجرأة الفنية التي لا تستند فقط إلى الحيلة أو الإبهار.

تؤكد ندوة أحمد مراد في «القاهرة السينمائي» أن الرجل يقف في منطقة وسطى بين الأدب الشعبي والسينما التجارية الطموحة: يملك الخيال، ويملك الأدوات، ويملك الجمهور، لكنه لم يحسم بعد سؤال: هل يريد أن يكون صانع متعة… أم صانع معنى؟

فيلم «الست» قد يكون الإجابة ، إن نجح في تقديم بطولة نسائية حقيقية، ومنظور إنساني أصيل، فقد ينتقل مراد من كاتب ناجح جماهيريًا إلى صانع مشروع سينمائي حقيقي ، وإن بقي العمل معتمدًا على الحس العاطفي دون عمق، سيظل جزءًا من المسار نفسه: متعة عالية… ومعنى مؤجل