“النقد كجسر بين الإبداع والطفولة”.. مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي يرسخ ثقافة التقييم البنّاء

يشكل إعلان مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي في دورته الثالثة عن قوائم لجان تحكيم جائزة النقاد خطوة نوعية تعكس وعيًا متقدمًا بدور النقد في العملية الإبداعية، خاصة حين يتعلق الأمر بعروض يقدمها الأطفال، حيث يصبح النقد هنا ليس أداة حكم أو تصنيف، بل وسيلة تربوية وتحفيزية تزرع في نفوس الصغار قيمة الفن والانضباط والتميز.

فلسفة جديدة للنقد المسرحي

للمرة الأولى في مهرجان عربي موجه للأطفال، يطرح مفهوم “النقد التطبيقي اليومي” ضمن إطار تنافسي حيّ، بحيث تقيم اللجنة كل عرض مباشرة عقب انتهائه وتعلن عن أفضل ممثل وأفضل ممثلة على الخشبة فورًا، في مشهد يجمع بين لحظة التقدير الفني والاحتفاء الإنساني.
هذه الخطوة تمنح التجربة المسرحية للأطفال بعدًا تربويًا عميقًا، إذ يشعر المشاركون بأن الجهد يلاحظ في حينه، وأن المسرح فضاء للحوار والتفاعل وليس مجرد عرض عابر ينتظر نتائج متأخرة.

توازن بين الأكاديمية والتجربة الميدانية

تضم لجان التحكيم نخبة من النقاد والمخرجين والأكاديميين، مثل الناقد جمال عبد الناصر، والدكتور فيفي أحمد، والمخرج عمرو حسان، والمخرجة تغريد عبد الرحمن، وغيرهم من الأسماء التي تمثل خبرات متعددة في النقد والممارسة المسرحية.
هذا التنوع يعزز منهجية تقييم متكاملة تجمع بين الرؤية الفنية الأكاديمية والتحليل العملي، ليكون الحكم على أداء الأطفال شاملاً لأبعاد الأداء، التعبير، والخيال المسرحي.

التزام صارم وجدول مكثف

الحرص على متابعة عرضين يوميًا ضمن جدول دقيق من الخامسة حتى العاشرة مساءً، يؤكد انضباطًا مؤسسيًا ورغبة حقيقية في ضمان العدالة والمصداقية في التقييم.
هذا التنظيم يعكس احترافية إدارة المهرجان برئاسة الدكتورة داليا همام، التي تسعى إلى تحويل المهرجان إلى منصة تربوية وفنية متكاملة، ترسخ لثقافة المسرح النقدي في المراحل العمرية المبكرة.

دلالة ثقافية وتربوية

ما يميز الدورة الحالية هو الدمج بين الاحتفاء والإصلاح الفني، حيث يستخدم النقد كأداة تطوير لا كمعول هدم.
وهو نهج يتناغم مع فلسفة المهرجان الذي ترأسه شرفيًا أ.د. غادة جبارة، وتدعمه مؤسسات ثقافية رسمية كوزارة الثقافة وأكاديمية الفنون ونقابة المهن التمثيلية، ما يمنحه شرعية ثقافية وتربوية رفيعة.

بإطلاقه “جائزة النقاد”، يخطو مهرجان القاهرة الدولي للطفل العربي خطوة رائدة في مسار المسرح العربي الموجّه للناشئة، مؤكدًا أن النقد يمكن أن يكون فعل حبّ وتعليم، وأن المسرح حين يحتضن الطفل، لا يكتفي بعرضه على الخشبة، بل يصنع منه جمهورًا مستقبليًا قادرًا على تذوق الجمال وفهمه بعين ناقدة وبقلب مبدع.