عبدالستار ناجي يكتب : قراءة في جوائز الدورة الـ 78 لمهرجان كان.. المختلف يفوز

القراءة الأولية لجوائز مهرجان كان السينمائى في دورته الـ 78 لعام 2025 تؤكد بأن المختلف والمغاير هو الذي يفوز مقرونا بجهد متميز من البحث والدراسة والتحليل وهذا ما نراه واضحا في النسبة الاكبر من الجوائز التى استقبلت بحفاوة كبيرة وترحاب من النقاد قبل الجمهور .

والحديث عن الجوائز يجعلنا نتوقف في المحطة الاولي عن الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية التى ذهبت وباستحقاق كبير للفيلم الايراني “حادث بسيط ” للمخرج جعفر بناهي الذي يتناول حكاية تبدو للوهلة الاولي بسيطة ولكنه سرعان ما يورطه في تداعيات تلك الحكاية التى تروي قصة رجل تعطلت سيارته وحملها الى احد الكراجات ليشاهدة رجل يعمل في الكراج ويكتشف هذا الرجل ان صاحب السيارة هو من قام بتعذيبة ليقوم باختطافة وطلب جميع الذين كانوا معه في السجن للتاكد من انه الرجل المطلوب ورغم التاكد الا انهم في النهاية يعفون عنه لان الحياة ليست بالانتقام بل بالعفو والتسامح والاستمرارية لمسيرة شعب وبلد .

ورغم اعجابي بالفيلم وقيمته ومضامينه وطروحاته الا أننى شخصيا كنت ميالا إلى الفيلم البرازيلي” العميل السري “وايضا الفيلم الاسباني” صراط ” وهذه الاعمال كان لها الكثير من الحصاد ضمن جوائز كان .

القيمة العاطفية

الجائزة الكبري للمهرجان ذهبت الى فيلم – القيمة العاطفية – للنرويجي يواكيم ترير والذي يتابع حكاية مخرج سينمائي يقوم بتسخير كافة طاقات اسرته من اجل خدمة اهدافة في الصعود والتالق . على حساب العلاقات الانسانية التى تربطه بهم . والفيلم يشهد حضورا رفيع المستوي للنجم الدانماركي ستيلان سكارسجارد في تجسيد شخصية المخرج المنهار فنيا والذي يريد العودة الى النجومية على حساس بناته وعواطفه .

العميل السري

جائزة افضل اخراج كانت من نصيب المخرج البرازيلي كليبر مندوسا فيلهو عن فيلمه الرائع “العميل السري ” الذي يتابع حكاية باحث متخصص يتعرض الى متابعة وتهديد احد المتسلطين على خلفية كرنفال البرازيل وتقاليدة وغموضه وكشف للممارسات السلبية المتعددة التى كانت تعيشها البرازيل في مرحلة التسعينيات من القرن الماضي . وفي الفيلم حضور عال الكعب للمثل والمنتج البرازيلي وينجر مورا الذى يعود للسينما بعد غياب طويل في تقمص الحالات الدرامية التى تمر بها الشخصية خلال رحلة بحثه عن الحقيقية والسلامة .

فتاة مثلية

افضل ممثلة كانت من نصيب العربية الاصل نادية ماليتى عن دورها كفتاة مثلية وعلاقتها مع المتغيرات في المجتمع الفرنسي خلال دراستها الجامعية والفيلم من توقيع المخرجة التونسية الاصل الفرنسية حفيظة حرزي .. ولاننا امام نمط مختلف ومغاير وجرئ فان لجنة التحكيم بقيادة المخرجة جولييت بينوش تنظر الى هكذا امر بكثير من الاهتمام والاحترام .

أمهات صغيرات

جائزة افضل سيناريو حققها الاخوين جان وبيير دردان عن فيلمهما” أمهات صغيرات” الذي يتناول حكاية خمس فتيات صغيرات وجدان انفسهن حوامل في مرحلة صغيرة من اعمارهن وهن يكافهن من اجل مستقبل اطفالهن واسرهن .

فيما تم مناصفة لجنة التحكيم الخاصة بين فيلمين هما الاهم ( من وجهة نظر شخصية ) حيث الفيلم الاسباني – صراط – من توقيع المخرج اوليفر لاكس الذي يرحل بنا مع عذابات رجل قام برحلة من اسبانيا  الى الصحاري المغربية من اجل البحث عن ابنته التى تركت بيت الاسرة في ين المراهقة بحثا عن حياتها . وفي الفيلم قراءة موسيقية وصوتية عالية الجودة تمثل اشتغالات فنية متجددة ومتطورة .

صوت السقوط

وبخط متوازي هناك المناصفة مع الفيلم الالماني “صوت السقوط” للمخرجه ماشا شينيسكي التى تذهب الى حكاية اربع فتيات عشن المتغيرات خلال الحرب العالمية الثانية وسط ظروف ومتغيرات عامرة بالقسوة .

فيما ذهبت الكاميرا الذهبية – لاول عمل سينمائي – الى الفيلم العراقي ” كعكة الرئيس” أو “مملكة القصب “للمخرج حسن هادي الذي يأخذنا الى تسعينيات القرن الماضي لرصد حكاية الفتاة “لميعة “التى تم اختيارها عن طريق القرعة لتقوم بعمل كعكة للرئيس العراقي الاسبق صدام حسين وهي تعاني من الفقر والحاجة مع جدتها التى تشرف على رعايتها وتبدأ رحلة تشبه المتاهة والعامرة بالقسوة والمفارقات عبر اشتغالات سينمائية عالية الجودة صاغها المخرج حسن هادي ومدير التصوير تودر فلاديمير بندرو الذي قدم لغة بصرية عالية الجودة .

هكذا هو الحصاد وهكذا هى الجوائز التى ذهبت في الغالب الى الايقاع والنبض والفكر المغاير والذي يحمل الالم والتعب الانساني

جوائز مهرجان كان السينمائي هذا العام جاءت لتعزف على ايقاع التغيير والبحث المتجدد لافاق وقضايا وموضوعات ذات قيم انسانية واجتماعية وسياسية ابعد واخصب واثري . وهذا ما يمكن ان نراه وبوضوح تام من خلال منح السعفة الذهبية لفيلم “حادث بسيط ” للمخرج الايراني جعفر بناهي .

ويبقي ان نقول : جوائز مهرجان كان هيب احتفاء بالابداع السينمائي المغاير .