«أمهات صغيرات»..الأخوين دردان هاجسهم الانسان في مهرجان كان 2025

عبدالستار ناجي

الحديث عن الأخوين دردان يعني الحديث عن نهج سينمائي راح يتأكد ويترسخ عبر مسيرة عامرة بالإنجازات والتفرد ، وهذا الثنائي أحد القلة الذين حققوا جائزة السعفة الذهبية مرتين وهو ما يشكل انجاز سينمائي محجل لم يبلغه الا القله من صناع السينما العالمية .

وفي فيلمها «أمهات صغيرات»، يواصل هذا الثنائي جان وبيير دردان على ذات النهج الذى راحا يشتغلان عليه وهو الانسان وقضاياه وهو ما يشكل احدي مفردات التميز لهذا الثنائي البلجيكي المبدع .

وقبل أن نذهب ألي «أمهات صغيرات»، تعالوا نتوقف أمام جوانب من مسيرة هذا الثنائى التى انطلقت في العام 1987 من خلال فيلم – فلاش – ومنذ اللحظة الاولي امام بيان انسانى رفيع المستوى راح الاخوين يشتغلان عليه ويعمقانه لتتواصل المسيرة مرورا بفيلم – الوعد – 1996 وصولا الى الفيلم الرائع – روزيتا – 1999 الذي حصدا عنه السعفة الذهبية في مهرجان كان وسرعان ما عادا للحصاد من خلال فيلم – الابن – 2002 وتمضي الرحلة انجازات ومزيد من الحضور للانسان والغربة وعذابات المهاجرين الذين وجدوا انفسهم في اوطان جديدة بلا سماوات او سقف يحميهم وعزلة وقوانين قاسية ولكن الاخوين دردان ظلا يمارسان الصراخ الهادئ لايصال الحقائق التى تسلط الضوء على هموم المعدمين .

بصمة سينمائية ثرية بالمضامين هي اعمال ونتاجات الاخوين البلجيكيان الذين استطاعا ان يحققا معادلة حضور السينما البلجيكية امام سطوة وحضور السينما الاوروبية وبشكل خاص الفرنسية والايطالية ومن قبلها البريطانية .

في فيلمهما «أمهات صغيرات»، نحن امام حكاية مجموعة من الفتيات الصغيرات واللواتي حملن في مرحلة صغيرة من حياتهن فهذة جيسيكا وبيرلا وجولي ويرين وايضا نعيمة اللواتي اضطررن الى اللجوء الى احد المساكن التى وضعتها الدولة لتلك النوعية من الفتيات المعدمات الحوامل بظروف مختلفة ..

وهاجس هذة الفتيات الخمس هو البحث عن حياة سعيدة امنه لهن ولاطفالهن بعد عذابات الغربة والهجرة والفقر والعازة . سينما من نوع مختلف . لا تلتفت الى السوق والجمهور بقدر من تسعي ان تكون حاضنة لقضايا الانسان واشكالياته ومن يشاهد اعمال هذا الثنائي يعلم جيدا انه امام خطاب انساني عال الجودة من النادر ان تجده في اعمال الكثيرين حول العالم ..

في اعمال الاخوين دردان لا قصص حب رومانسية ساذجة بل الم . ولا مغامرات كاذبة تافهه بل وجع يتفجر ولا نهايات سعيدة ينام عليها المشاهد وهو مبتسم بل اسئلة تتفجر حول مستقبله ومستقبل تلك الشرائح الانسانية التى تسترخي علي حافة نصل الالم والوجع والقهر .

مجموعة من الحكايات المتداخلة المتشابكة التى تذهب كل منها في اتجاة يفجر كل معطيات تلك القضية المطروحة حيث تعاني شرائح كبيرة من الفتيات المراهقات من الحمل المبكر بلا رعاية او اوراق رسمية او حتى ضمانات التى تمنحهم واطفالهم الحياة الامانة .

وعلي مدي ساعة و44 دقيقة تمضي الاحداث معصورة بالالم فهذة حامل من علاقة انتهت في ليلة واحدة واخري مهاجرة وثانية مرفوضة من اسرتها لظروف اجتماعية دينية ورابعة وخامسة بحيث كنا امام ملحمة من الالم الذى راح يتصاعد وكاننا امام بركان راح يتفجر لحظة بعد اخري وشخصية بعد ثانية والثنائي دردان يورطان المشاهد منذ المشهد الاول امام حكايات تلك الفتيات اللواتي لا يبحثن عن شي سوي المستقبل  الامن لاطفالهن بعد رفضن من الاسرة والمتجمع لاسباب هامشية وقوانين مسطحة عقيمة تجاوزها الزمان.

مراهقات امهات لا يعرفن من الحياة اى شي وجدان انفسهن امام تحديات كبري تكاد توصلهن الى حافة الانهيار لمواجهة تبعيات ذلك الحمل وتلك العلاقات التى يبدو بعضها مجرد مغامرة عابرة .

تريدون النهاية انها هناك في صالات العرض فانا لست بالراوي الحكاء بل متابع راصد لابداعات سينمائيين من الطراز الاول يظل هاجسهم واشتغالهم هو الانسان وفي هذة المحطة يحطان الرحال امام حكاية خمس فتيات برئيات القدرية وحدها جعلتهم يحملن بالالم .. والهم .. والقلق والتوتر الذي سرق منهن مراهقتهن وصباهم وشبابهن وتحولن الى فتيات ضاعت منهن البوصلة في اتجاة الغد والمستقبل ..

ويبقي ان نقول ..  فيلم للأخوين دردان يعني شحنة عالية المستوى من هموم الانسان في مجتمع لا يرحم .