«أشقاء » الإيطالي.. حين يصبح التوحد جزءًا من الحكاية لا عنوانها

بقلم: نورا أنور

شهد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46 عرض فيلم Siblings (أشقاء) للمخرجة جريتا سكارانو ضمن مسابقة أسبوع النقاد، في عرضه الأول بالمنطقة، جاء الفيلم كمساحة هادئة وسط الأعمال الثقيلة، حيث يقدّم دراما إنسانية رقيقة تستند إلى العلاقة المعقدة بين شقيقين تجمعهما مسؤولية لا يمكن الفكاك منها.

قصة حقيقية

يستند الفيلم إلى القصة الحقيقية للأخوين مارغريتا وداميانو تيركون، لكنه لا يقدّم سيرة جاهزة بقدر ما يمنح المخرجة مساحة لتفكيك مفهوم الإعاقة داخل الحياة اليومية، لا بوصفها عبئًا أو قضية مركزية، بل كجزء من نسيج العلاقات العائلية.

تحيا إيرين (ماتيلدا دي أنجيليس) في روما حياة مستقرة، قبل أن تتلقى اتصالًا يطالبها بالعودة إلى ريميني لرعاية شقيقها الأكبر عمر (يوري توشي)، المصاب بالتوحد، بعد أزمة صحية تتعرض لها الأم. المهمة تبدو مؤقتة، سرعان ما تتحول إلى مواجهة مع ماضٍ حاولت نسيانه، وعلاقة لطالما خشيت تحمل مسؤوليتها.

تناول غير نمطي

يقدَّم عمر بعيدًا عن التناول النمطي لشخصيات التوحد في السينما. لا يعامل كشخص يحتاج إلى “إنقاذ”، بل كإنسان كامل الأحلام والرغبات: يريد الزواج، إنجاب ثلاثة أطفال، أن يصبح مغني راب، وأن يحصل على استقلال حقيقي بعد رحيل الوالدين. هذه الأحلام، رغم بساطتها، تمنح شخصيته عمقًا إنسانيًا وتتجاوز حدود التشخيص الطبي.

الفيلم يطرح سؤالًا كبيرًا داخل حكاية صغيرة: كيف نُعرّف المسؤولية عندما يرتبط مصيرنا بمصير شخص آخر؟ وهل تنمو العلاقات بمرور الوقت أم تنضج فقط حين تصبح خيارًا لا مهرب منه؟

بناء تدريجي

نجاح سكارانو يكمن في ابتعادها عن خطاب العاطفة المباشر، تظهر الإعاقة كواقع يومي؛ اختلاف عمر العصبي جزء من نبرة الفيلم وليس موضوعه الأساسي، السيناريو يتجنب الذروة الصاخبة، ويعتمد على بناء تدريجي للعلاقة بين الأخوين، بخطوات صغيرة تشكّل في مجملها رحلة نضج مشتركة، حتى المشهد الأكثر حساسية—تجربة أداء عمر لبرنامج مواهب—يظل ضمن روح الفيلم الهادئة، يختبر الشخصية دون أن يستدرج دموع المتفرج.

تقدّم ماتيلدا دي أنجيليس أداءً متزنًا لشابة ممزقة بين رغبتها في الهروب وشعورها العميق بالواجب،أما يوري توشي، في ظهوره السينمائي الأول، فيقدّم أداءً لافتًا ببساطته وتلقائيته، بعيدًا عن التصنع. الكيمياء بينهما هي قلب الفيلم النابض.

التعامل مع الإيقاع والمكان

على مستوى الإخراج، تظهر جريتا سكارانو حساسية عالية في التعامل مع الإيقاع والمكان. ريميني—بشواطئها الشتوية وغرفها القديمة—تتحول إلى حامل عاطفي للقصة. الصورة، التي يلتقطها فاليريو أزالي، تحمل ملمسًا واقعيًا ناعمًا يشبه أعمال المدرسة الإيطالية الحديثة؛ لا تبحث عن الجمال قدر بحثها عن الصدق. الموسيقى الخفيفة لجوزيبي ترانكويلينو مينيرفا تزيد من إحساس الفيلم بالحميمية دون مبالغة.

في عرضه بالقاهرة، بداSiblings عملًا صغيرًا بعمق كبير: فيلم لا يصرخ ولا يستعرض، بل يقدّم العلاقات العائلية كرحلة ناعمة نحو الفهم والنضج. تؤكد سكارانو في تجربتها الروائية الأولى قدرتها على خلق عالم شديد الخصوصية، وتقدّم دراما تؤمن بأن الإعاقة جزء من الحياة، لا عنوانها. ومع أداء مؤثر من توشي ودي أنجيليس، يصبح الفيلم تذكيرًا بأن العائلة—على تعقيدها—هي المكان الذي نتعلم فيه كيف نكبر.