يعود مسلسل «وتر حساس» في موسمه الثاني بإخراج وائل فرج وكتابة أمين جمال ومينا بباوي، حاملاً معه البنية الدرامية ذاتها التي تأسس عليها الجزء الأول: علاقات متشابكة، وشخصيات تتحرك بدافع الخوف من الفقد أكثر من رغبتها في المواجهة أو السيطرة. إلا أن الجزء الجديد يقوم بتحويل مركز الصراع من التنافس العاطفي على رشيد، إلى صدام عائلي ممتد بين الأخوين هاشم ومراد، صدام تتوارثه الأجيال دون وعي، وتدفع ثمنه شخصيات العمل المختلفة عبر دوائر متكررة من الألم والانتقام.
الموسم الثاني
ينطلق الموسم من عودة رشيد (محمد علاء) مصطحبًا فريدة (غادة عادل) التي يقرر الارتباط بها، قبل أن تنكشف حقيقة انتمائها للعائلة نفسها، بما يحمله ذلك من تاريخ قديم مرتبط بالميراث والتحكم وبقايا جراح متبادلة.
وفي الجهة الأخرى تعود كاميليا (إنجي المقدم) إلى حياة رشيد بعد غياب، محاولة استعادة مكانها داخل البيت والعائلة، أما رغدة (هيدي كرم)، التي تخرج من السجن، فهي تحاول إعادة ترميم صورتها وإنقاذ ما تبقى من وجودها الاجتماعي والعاطفي.
ورغم اتساع خطوط الحكاية وتشابكها، فإن المحرك الأساسي لكل الشخصيات هو الخوف من الفقد. الخوف هنا ليس مجرد إطار نفسي، بل قوة داخلية تدفع الشخصيات لاتخاذ قرارات قاسية، أحيانًا عنيفة، ليس بدافع القوة، بل بدافع هشاشة عميقة تتخفّى خلف الواجهة.
تكرار البناء الدرامي
على مستوى البناء الدرامي، يكرر الموسم الثاني الهيكلة ذاتها تقريبًا التي اتبعها الجزء الأول: ثلثا المسلسل يقومان على مواجهات حوارية، تحالفات مؤقتة، وخطط متبادلة، بينما يترك الانفجار الدرامي الحقيقي إلى الثلث الأخير عبر جريمة القتل.
هذا النوع من البناء يضع المشاهد في حالة انتظار طويلة، بدل أن يصنع تصاعدًا تدريجيًا يسمح بتراكم التوتر وتحويله إلى حدث. وهنا تظهر إشكالية الإيقاع، حيث تطول المشاهد الحوارية، وتتحرك الكاميرا بشكل مقيد، في ظل غياب ملموس لأنفاس بصرية قادرة على تعميق الحالة النفسية بدل الاكتفاء بوصفها.
أداءات تمثيلية ناضجة
ورغم ذلك، فإن الموسم يقدّم أداءات تمثيلية ناضجة تبقى إحدى نقاط القوة الأبرز في العمل، غادة عادل تجسد “فريدة”بحضور متوازن، خالٍ من المبالغة، يعبّرعن قوتها الظاهرة وارتباكها الداخلي. محمد علاء يقدم “رشيد” بوعي لتناقض الشخصية التي تخفي هشاشتها خلف قناع ثابت. إنجي المقدم تقدم كاميليا بأداء داخلي عميق، بعيد عن الخطابية، أما هيدي كرم فتأتي كمفاجأة الموسم، حيث تبني “رغدة “عبر مراحل نفسية متدرجة دون قفزات مفتعلة، ويأتي الصراع بين “كمال أبو راية وجلال العشري” ليضيف طبقة من الجرح الأبوي، صراع يتحرك بالصمت أكثر مما يتحرك بالكلمات.
إخراج وائل فرج يراهن على الواقعية والأداء الهادئ، لكنه في المقابل لا يستثمر الصورة بصفتها لغة، بل يستخدمها غالبًا في مستوى وصفي مباشر، فالمساحات التي كان يمكن أن تصبح رموزًا للذاكرة والسيطرة مثل البيت والأتيليه والمكتب، بقيت مجرد أماكن لا تضيف طبقات دلالية إلى الصراع.
تحرك درامي متأخر
وعندما تصل الحكاية إلى لحظة مقتل فريدة، يبدأ المسلسل في التحرك الدرامي الحقيقي. إلا أن هذه اللحظة تأتي متأخرة، بما يشبه التكرار البنائي لحادثة مقتل ليلى في الجزء الأول، تبدو النهاية قوية في تأثيرها، لكنها غير مدفوعة دراميًا بما يسبقها بالقدر الكافي لخلق صدمة ذات معنى.
في المحصلة، «وتر حساس 2» عمل يمتلك الكثير مما يمكن قوله: صراع عائلي متجذّر، جراح تنتقل عبر الأجيال، أداءات تمثيلية عالية الوعي، وقراءة إنسانية دقيقة للهشاشة الداخلية للشخص. لكنه في الوقت نفسه يتعثر في إيقاع ممتد أكثر من اللازم، وتكرار في البناء، واعتماد مفرط على الحوار دون توظيف قوي للصورة أو الحركة الدرامية، إنّه مسلسل يعرف من أين يبدأ، ويعرف ما يريد قوله، لكنه يحتاج إلى مسار أكثر جرأة واشتباكًا مع أدوات السرد البصرية والدرامية ليقول ما يريد بقوة أكبر.
