بقلم : محمد قناوي
في عالمٍ كانت فيه الصورة المتحركة حكرًا على الغرب، خرج المخرج والمنتج عباس بن العباس- الذي كرمه مهرجان vs-film للافلام القصيرة جدافي حفل افتتاحه- ليكسر القاعدة، ويصنع من المستحيل مشروعًا عربيًا رائدًا في فن الرسوم المتحركة والتحريك، ليصبح بحق الأب الروحي للأنيميشن في الوطن العربي، وصاحب أول تجربة مؤسسية متكاملة في هذا المجال.
التحريك فن متكامل
منذ بداياته، آمن بن العباس بأن التحريك ليس مجرد وسيلة لتسلية الأطفال، بل فن متكامل يجمع بين الدراما والبصرية والتكنولوجيا والهوية الثقافية. فأسس أول شركة عربية متخصصة في فن التحريك، واضعًا الأسس الإنتاجية والتقنية لنهضة كان يحلم بها كل فنان عربي يطمح لأن يرى شخصيات عربية تتحرك على الشاشة بروح عربية خالصة.
لم يكن مشروعه مجرد مغامرة فنية، بل رؤية تنويرية تُدرك أن الصورة المتحركة هي لغة القرن الحادي والعشرين، وأن من يمتلك القدرة على رواية القصص بالتحريك يمتلك مفاتيح التأثير في وجدان الأجيال القادمة. من هنا جاءت أعماله متفردة في الشكل والمضمون، ممزوجة بين التراث العربي والخيال المعاصر، محملة برسائل إنسانية وتربوية راقية.
مدرسة عربية في التحريك
نجح عباس بن العباس في أن يؤسس مدرسة عربية في التحريك، خرّجت عشرات الفنانين الشباب الذين حملوا الشعلة بعده، مستفيدين من خبراته ومن جرأته في خوض المجهول. لقد حوّل الحلم الفردي إلى مشروع جماعي، ووضع صناعة التحريك العربية على الخريطة العالمية، عبر مشاركات في مهرجانات دولية وتعاونات مع مؤسسات كبرى.
إن تكريم عباس بن العباس اليوم ليس مجرد احتفاء بشخص، بل اعتراف بجيلٍ من الرواد الذين رأوا المستقبل قبل أن يراه الآخرون، ففتحوا الأبواب أمام موجة جديدة من الإبداع العربي في مجال التحريك والأنيميشن. لقد كان ولا يزال رمزًا للإصرار، وحالة فنية تؤكد أن الإبداع حين يمتزج بالهوية يتحول إلى تراث حيٍّ يتجاوز الزمن.
رحلته ليست فقط قصة نجاح مهني، بل ملحمة ثقافية وإنسانية تُلهم الأجيال بأن الفن رسالة، وبأن الحلم العربي في الصورة المتحركة قد بدأ بالفعل، بفضل الأب الروحي: عباس بن العباس.
إرث فني ومشاركات دولية
امتدّ تأثير عباس بن العباس إلى خارج حدود الوطن العربي، حيث مثّل بصوته ورؤيته الإبداعية الوجه المشرق للأنيميشن العربي في المحافل الدولية. شارك في عدد من المهرجانات السينمائية العالمية المتخصصة في فن التحريك، من بينها مهرجان أنسي الفرنسي، ومهرجان أوتاوا الكندي، ومهرجان طوكيو أنيمي فير، إلى جانب مشاركته المتميزة في مهرجانات عربية مثل مهرجان قرطاج السينمائي ومهرجان القاهرة الدولي للرسوم المتحركة، حيث عرضت أعماله كنماذج تمزج بين التقنية الحديثة والروح الشرقية الأصيلة.

من أبرز أعماله التي رسّخت مكانته:
- سلسلة “مغامرات في الصحراء”: أول عمل عربي بالكامل بتقنيات التحريك الرقمية، تناول القيم العربية في قالب من المغامرة والخيال.
- فيلم “مدينة النور”: عمل فني ضخم تناول تاريخ المدن العربية من منظور فانتازي بصري مبتكر.
- “حكايات من التراث”: مشروع ثقافي تربوي جمع بين القصص الشعبية العربية والأسلوب السينمائي المعاصر، ولا يزال يدرّس كنموذج تعليمي في بعض معاهد التحريك العربية.
- “الرحلة إلى الكوكب الأخضر”: عمل بيئي برسالة إنسانية، نال جوائز تقديرية لأسلوبه الإبداعي في توظيف التحريك للتوعية بالمناخ وحماية البيئة.
كما أسس عباس بن العباس ورشًا تدريبية وملتقيات فنية جمعت بين المبدعين العرب والأجانب، سعيًا إلى تطوير المهارات التقنية وإطلاق جيل جديد من الفنانين القادرين على المنافسة في سوق التحريك العالمي.
بفضل هذه الإنجازات، تحوّل اسمه إلى علامة مضيئة في تاريخ السينما العربية المتحركة، ومرجع أساسي لكل من أراد أن يفهم كيف يمكن للخيال العربي أن يتحرك، وأن ينطق بالصور والألوان.


