أشرف عبدالباقي.. فنان المشروع والوعي الجماعي في ندوة تكريمه بمهرجان VS-Film

يبدو أن تكريم الفنان أشرف عبدالباقي في الدورة الثانية من مهرجان VS-Film لم يكن مجرد احتفاء بنجم محبوب، بل اعتراف بمسيرة فنية تشكّل نموذجًا نادرًا في التوازن بين النجاح الجماهيري والمشروع الثقافي الواعي.

فمنذ بداياته كهاوٍ على مسارح مراكز الشباب وقصور الثقافة، مرورًا بتجربته التلفزيونية والمسرحية الرائدة، وصولًا إلى رؤيته المتطورة لمفاهيم الإنتاج والتجريب المسرحي، يظل عبدالباقي حالة فنية تستحق التأمل النقدي الجاد.

من مسرح الهواة إلى صناعة الجمهور

في حديثه عن بداياته، يفتح عبدالباقي نافذة نادرة على زمن المسرح الشعبي، حين كان الشغف يسبق الاحتراف. أربعون عرضًا قدّمها في مسارح الأقاليم والمراكز الثقافية، بتمويل ذاتي من “جيب الشباب”، في زمن كان الفن فيه فعل إيمان أكثر منه مهنة. هذا التكوين العفوي خلق لديه حسًا جمعيًا بالمسرح كأداة للتنوير الاجتماعي، وهو ما انعكس لاحقًا في كل مشاريعه اللاحقة، التي جعلت من الجمهور شريكًا لا متفرجًا.

مشروع الوعي

حين أسس “تياترو مصر” عام 2011، لم يكن عبدالباقي يكرر تجربة كوميدية، بل كان يطرح مشروعًا لاستعادة الجمهور إلى دار العرض بعد غياب طويل. اعتمدت التجربة على الارتجال الموجه – وهو ما يشبه ورشة مفتوحة بين الممثلين والجمهور – حيث يصبح الضحك وسيلة للتماس الإنساني لا للسطحية.

نجاح التجربة لم يكن في شعبيتها فقط، بل في إعادة تعريف العلاقة بين المسرح والإعلام، حين تحول العرض إلى منتج تلفزيوني أسبوعي دون أن يفقد روح الخشبة.

بين الحرفة والبحث

تجربته السينمائية، التي امتدت عبر أكثر من 85 فيلمًا، تكشف عن وعي مهني متنامٍ لا يكتفي بالتمثيل، بل يتعامل مع الكاميرا بوصفها شريكًا في الأداء. من “سيداتي آنساتي” إلى “رشة جريئة” و”السادة الأفاضل”، استطاع أن يجمع بين الحس الكوميدي الإنساني والتجريب البصري في التكنيك والإنتاج.

ولعل إشادة المخرج أشرف فائق به بأنه “فنان نحت في الصخر” تلخص جوهر عبدالباقي؛ فنان لا ينتظر الفرص بل يصنعها.

التجريب والانتشار

إشارته إلى تجربة عرض “جريمة في المعادي” في أكثر من مدينة في وقت واحد تمثل تحولًا فكريًا في مفهوم اللامركزية الثقافية، وهي خطوة تحمل وعياً مؤسسياً بضرورة نشر الثقافة المسرحية في المحافظات، على غرار ما شاهده في أوروبا، هنا يتحول عبدالباقي من ممثل إلى صاحب رؤية بنيوية حول كيفية تفعيل المسرح كمؤسسة إنتاج فكري وفني مستدام.

بين السوشيال ميديا والوعي الزمني

في تعليقه على النقد الساخر في مواقع التواصل، بدا عبدالباقي أكثر وعيًا بآليات العصر، مؤكدًا أن “الكوميديا اللطيفة” يمكن أن تكون وسيلة للتقارب لا للتجريح. هذه الرؤية تضعه في صف الفنانين الذين فهموا أن الحداثة ليست خصمًا من الأصالة، بل وسيلة لتجديدها.

فنان يعرف مشروعه

ما أكده النقاد والمشاركون في الندوة – من محمد الروبي إلى صبري فواز وحنان السعودية – هو أن أشرف عبدالباقي لم يكن مجرد ممثل ناجح، بل صاحب مشروع ثقافي ممتد، يتنقل بين السينما والمسرح والتلفزيون بخيط واحد هو الإخلاص للفن والناس.

تكريمه في مهرجان يُعنى بـ”الفيلم القصير جدًا” يحمل دلالة رمزية عميقة: فكما تلتقط الأفلام القصيرة اللمحة المكثفة، يلتقط عبدالباقي من الحياة جوهرها الإنساني في لحظة ضحك صادقة

أشرف عبدالباقي ليس فقط أحد رواد المسرح الجماهيري الحديث، بل هو جسر بين جيل الهواة وجيل الإعلام الرقمي، بين مسرح الطليعة وشاشة السوشيال ميديا. تكريمه في VS-Film هو احتفاء بفكرة الفنان الذي لم يتوقف عن التعلم، ولم يفقد يومًا إيمانه بأن الجمهور هو البطل الحقيقي لأي عرض.