الذكرى الــ 18 علي رحيل مهندس الضحك وفؤاد الكوميديا الراقية

يتزامن، اليوم الأثنين، مع ذكرى رحيل الفنان الكبير، الملقب بــ”الأستاذ”.. فؤاد المهندس، الذي رحل عن عالمنا في الساس عشر من سبتمبر 2006، تاركا حالة كبيرة من الحزن، وإرثا فنيا كبيرا ما بين الدراما، والسينما إلى المسرح، الذى كان أحد أهم أساتذته على مر التاريخ ، ويعد صاحب مدرسة خاصة ، فى التمثيل والأداء الكوميدى، وقد اشتهر فؤاد المهندس ، بأدائه المميز فى أفلامه ومسرحياته، وأيضا فى الأعمال التليفزيونية التى قدمها ، وهو من مواليد 6 سبتمبر 1924 فى حى العباسية، وله 3 أشقاء هما صفية ودرية وسامى

صاحب المواهب المتعددة

فؤاد المهندس صاحب المواهب المتعددة، واحد من عمالقة الفن المصري في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة تمكن من حجز مكان له بين عمالقة الفن المصري. فهو الذي تعلم في مدرسة نجيب الريحاني، معنى الكوميديا الراقية. ليغني المكتبة الفنية بأعماله الهادفة للكبار والصغار تمثيلاً وغناء ، لذلك لم يبخل بخبرته على المواهب الشابة، كان سنداً ودعماً لها، ومن أشهر هؤلاء الفنان عادل إمام وسناء يونس. فاستحق فؤاد المهندس لقب “الأستاذ” الذي لازمه طيلة حياته، إلى جانب ألقاب كثيرة لعل أشهرها “صانع الضحكة” و”مهندس الإبتسامة” و”فؤاد الكوميديا الراقية”، حقق فؤاد المهندس شهرة واسعة، تخطت مصر، فكان ضيفاً محبباً في كل بيت عربي، ولكل أفراد العائلة، كباراً وصغاراً، كما أحب أن يكون.

المسرح حبّه الأوّل

حقق نجاحات كثيرة في السينما والتلفزيون، لكن ظل المسرح حبّه الأوّل، فلم يترك الخشبة التي أعطته الشهرة وأجمل ذكرياته المهنية والشخصية، من الشواهد على عشقه الكبير للمسرح، يروى عن فؤاد المهندس أنه حين كان يقدم مسرحية “إنها حقاً عائلة محترمة” مع أمينة رزق وشويكار، كان مصاباً بجلطة في القلب، لكن الأطباء أكدوا له أنه شُفي منها بعمله على المسرح.

نشأ في منزل كان قلعة للحفاظ على اللغة العربية

فؤاد زكي محمد المهندس،  ابن عائلة تتألف من 4 أبناء، وهم صفية ودرية وفؤاد وسامي ، والده هو العالم اللغوي الشهير وعميد كلية العلوم زكي محمد المهندس، فنشأ في منزل كان قلعة للحفاظ على اللغة العربية فأتقنها،  تلقى تعليمه بداية، في مدارس العزب التركية. وفي الجامعة تخرّج من كلية التجارة ، كما كان لوالده الفضل الأول في تنمية مواهبه الفنية، وقد ورث عنه خفة الظل وسرعة البديهة، بعكس والدته، التي عارضت دخوله إلى عالم التمثيل، معارضة شديدة لدرجة أنها ذات مرة حضرت إلى مسرح مدرسته الابتدائية من دون علمه، فصرخت به لدى ظهوره على المسرح أمام الجميع “إنزل يا ولد”، فنزل الفتى فؤاد “وكلت علقة محترمة” كما يروي في إحدى مقابلاته التلفزيونية.

بدايات التمثيل

بدأ فؤاد المهندس التمثيل في فريق التمثيل بالجامعة. حينها تعرف إلى الفنان نجيب الريحاني، أولاً بحجة إجراء مقابلة صحفية لمجلة الكلية. في نهاية المقابلة أقنع التلميذ فؤاد المهندس، الريحاني أن يُخرج لهم مسرحية، فكان هذا أول لقاء بينهما في التمثيل، حين طلب منه أن يتدربوا على رواية “حكاية كل يوم”، نجحت المسرحية وفازت بكأس يوسف بك وهبة، آنذاك

ثم انضم فؤاد المهندس إلى فرقة الريحاني المسرحية. وإن لم يستفد كثيراً على صعيد حصوله على الأدوار التي يتمناها، إلا أنه استفاد بطريقة غير مباشرة، يلخص ذلك فؤاد المهندس بقوله “أنا إتربيت في مسرح نجيب الريحاني”، وهذا ما بلور شخصيته الفنية والتزامه المهني والأخلاقي ، وبعد وفاة نجيب الريحاني، إنضم فؤاد المهندس إلى فرقة “ساعة لقلبك” منذ تأسيسها في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وكانت هذه بدايته مع التمثيل.

مشواره مع الإذاعة المصرية

أحب فؤاد المهندس العمل الإذاعي كثيراً، فكان مشواره مع الإذاعة المصرية طويلاً وغنياً جداً، بدأه في أربعينيات القرن الماضي، وقدم عبر الميكروفون، العديد من المسلسلات والمسرحيات الإذاعية والبرامج، ولعل أشهرها برنامج “ساعة لقلبك” و”كلمتين وبس”، والبغبغان في “عيد ميلاد أبو الفصاد” في العام 1955. والتي تغنى في كل عيد ميلاد منذ ذلك الوقت. كما ظلت انتاجاته تبث عبر الأثير لسنوات طويلة، وتعتبر من الكنوز النادرة للمكتبة التراثية في الإذاعة. 

عمو فؤاد

لدى فؤاد المهندس قناعة راسخة، بأن للفن رسالة سامية وهي خدمة المجتمع، وأهم من في المجتمع هم الأطفال. لذلك كان يبحث عن عمل يتوجه به للأطفال، إلى أن حالفه الحظ بتقديم فوازير “عمو فؤاد” التي تابعها الأطفال في مصر والعالم العربي.

رئيساً لفرقة الأناشيد

أحب فؤاد المهندس الغناء منذ صغره، إذ كان رئيساً لفرقة الأناشيد في المرحلة الابتدائية. ووجد في الغناء وسيلة مهمة لإيصال رسالته إلى الأطفال. فكانت البداية في مسرحية “أنا فين وانت فين” مع الأغنية الشهيرة “رايح أجيب الديب من ديله” التي يرددها الأطفال من جميع الأجيال. بعدها توالت الأغنيات في أعماله الفنية، وقدم العديد من الأغنيات للأطفال.

المهندس وشويكار

الثنائي “فؤاد وشويكار” من أشهر الثنائيات الكوميدية في السينما والمسرح العربي، والتقيا فنياً للمرة الأولى في مسرحية “السكرتير الفني” بعد أن قدمها له الفنان عبد المنعم مدبولي. لكنه المهندس كان شاهد لها إحدى المسرحيات ولفتت نظره. 

تحدثت شويكار في إحدى مقابلاتها عن قصة حبهما، وقصة زواجهما التي يتناقلها الفنانون. بعد قصة حب طويلة، عرض فؤاد المهندس الزواج على شويكار أثناء تقديم مسرحية “أنا وهو وهي”. ليخرج المهندس عن النص لأول وآخر مرة في حياته، وقال لها همساً “تتجوزيني يا بسكوتة؟” وأجابت بالقبول. 

ولكن، لم يتم الزواج إلا بعد الانتهاء من تصوير فيلم “هارب من الزواج”. إذ كانت شويكار ترتدي في المشهد الأخير فستان عرس وطرحة، وفؤاد المهندس كان يرتدي بدلة وربطة عنق. 

استغل الاثنان هذا المشهد، وذهبا بعد انتهاء التصوير إلى المأذون، في الثانية صباحاً، لتُتوج قصة حبهما بالزواج. وذهب معهما المخرج حسن الصيفي وزوجته الفنانة زهرة العلا. وكان ذلك في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1963. ليحدث الطلاق في العام 1980، خلال عرض مسرحية “سك على بناتك” التي شاركت فيها شويكار بصوتها.

لكن، بالرغم من وقوع الطلاق، استمر التعاون الفني بينهما، فكانت مسرحيتا “روحية اتخطفت” و”مراتي تقريباً”. ومسلسل “أحلام العنكبوت” وفيلم “جريمة إلا ربع”.

علاقة الصداقة

فقد حرص كل من فؤاد المهندس وشويكار على استمرار علاقة الصداقة بينهما، خاصة أن فؤاد يعشق الطعام من يد شويكار، واستمرت علاقة الصداقة لمدة 20 عاماً حتى وفاة المهندس في العام 2006، واعترفت شويكار في إحدى اللقاءات، بأنها لم تحب سوى فؤاد المهندس، وتصفه بـ”حب حياتي” الذي لم تبتعد عنه.

مسيرته الفنية بها أكثر من 150 عملا فنيا

قدم فؤاد المهندس خلال مسيرته الفنية أكثر من 150 عملا فنيا ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة، ومن أبرز أفلامه “أنا وهو وهي”، “اعترافات زوج”، “جناب السفير”، “معبودة الجماهير”، “أخطر رجل في العالم”، “مطاردة غرامية”، “شنبو في المصيدة”، “اشجع رجل في العالم”، “أرض النفاق” وغيرها من الأفلام”.

وبجانب ذلك تألق بصورة كبيرة في التليفزيون من خلال سلسلة فوازير حملت اسمه، منها “عمو فؤاد رئيس تحرير”، “عمو فؤاد ويا الأعداد”، “عمو فؤاد ضرب التليفون”، “عمو فؤاد وكنوز الأرض”، وكان آخرها عام 1998 بعنوان “عمو فؤاد رجل أعمال”، مما يدلل على القيمة الفنية الكبيرة للفنان الراحل حتى صار اسمه علامة على أعماله.

كلمتين وبس

ومن أبرز أعمال فؤاد المهندس في مشواره الفني، برنامج إذاعي بعنوان “كلمتين وبس”، إذ اعتاد الجمهور على مدار نحو 30 عاما سماع صوته في الثامنة إلا خمس دقائق صباح كل يوم، قبل أن يقول المذيع” إذاعة جمهورية مصر العربية من القاهرة تقدم…” ليأتي صوت فؤاد المهندس قائلا” كلمتين وبس”، والذي عالج فيه أو تناول بالرصد مشكلة أو ظاهرة أو سلوك اجتماعي خاطيء يعاني منه المجتمع المصري

أبناء فؤاد المهندس

أنجب الفنان فؤاد المهندس من زواجه الأول ولدين، هما محمد وأحمد المهندس. عاشا معه وومع زوجته شويكار حتى وفاتها. نجحت شويكار، التي كان لها إبنة إسمها منّة من زوجها المتوفي، بأن تكون أماً ثانية للأولاد. فتربى الثلاثة كالأشقاء في منزل واحد.

يقول محمد فؤاد المهندس عن شويكار في إحدى مقابلاته، “لم أشعر يوما بأن شويكار زوجة أبي، بل كانت علاقتنا دائما علاقة ود وحب، وكانت حنونة علينا، وتتدخل لحل مشاكلنا حتى مع فؤاد المهندس، وعندما يرفض بابا تلبية طلب ما، كنا نستنجد بـ”تانت شوشو” وتحلّ المشكلة”. وقال إنه سيفتقد الفنانة شويكار كثيرا مثلما افتقد والده.

أزمة قلبية حادة

توفي فؤاد المهندس في الـ16 من سبتمبر من العام 2006، إثر إصابته بأزمة قلبية حادة. بالرغم من أن السبب المباشر لوفاة فؤاد المهندس هو إصابته بأزمة قلبية حادة للغاية. لكن، كان هناك مقدمات كثيرة لوفاته. تراكمت تلك المقدمات منذ طلاقه من حب حياته الفنانة شويكار، وإن ظلت تربطهما صداقة قوية إلى حين وفاته. وكانت ترسل إليه طعام الغداء يومياً. فكان يحب الطعام الذي تحضره. 

بعد الطلاق، عانى من اكتئاب زاد منه شعوره بالذنب تجاه طليقته وأم ولديه التي “عانت كتير وبقولوا بسببي.. ما بحبش أتكلم في الموضوع ده” كما قال في إحدى مقابلاته التلفزيونية. ثم كانت وفاة تلميذته الفنانة سناء يونس، الذي أثر فيه كثيراً. 

حريق نشب في غرفته

بعد ذلك الحريق الذي نشب في غرفته والتهم جميع مقتنياته الثمينة معنويا ومادياً. كالجوائز، وشهادات التقدير، والنقود، والملابس، وصوره النادرة، وكتبه، وسيناريوهات أفلامه، وسرير الخديوي إسماعيل الذي ينام عليه، وكان اشتراه من  مزاد في باريس في العام 1969، إذ كان مولعاً بالتحف النادرة. بالإضافة إلى أنه عانى كثيراً من سجن إبنه البكر محمد بسبب خلاف مع أحد البنوك، وكان مظلوماً. السبب الأخير هو رحيل صديق عمره الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي. إذ رحل المهندس بعد رحيل مدبولي بشهر واحد.