مهرجان الأقصر..سينما تصنع الجسور داخل القارة الأفريقية

بقلم : محمد قناوي

يعكس إدراج مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ضمن التقرير الاستراتيجي الأفريقي الثامن عشر ، الصادر عن جامعة القاهرة، كلية الدراسات الأفريقية العليا في ديسمبر2025، وعيًا متقدمًا بدور الثقافة بوصفها فاعلًا استراتيجيًا في السياسات العامة، وليس مجرد نشاط موازٍ أو ترفيهي.

فالتقرير لا يتعامل مع المهرجان كحدث فني موسمي، بل كنموذج مؤسسي قادر على إنتاج تأثير مستدام في مسار العلاقات المصرية–الأفريقية، عبر أدوات القوة الناعمة القائمة على الفن والسينما والحوار الثقافي.

مشروع أكاديمي

التقرير الذي أعده الباحث مصطفى حسين من برنامج التنمية الثقافية بكلية الآداب – جامعة القاهرة، تحت إشراف السيناريست سيد فؤاد مؤسس ورئيس مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، والمخرجة عزة الحسيني المؤسس والمدير التنفيذي للمهرجان، يأتي في إطار مشروع أكاديمي دوري سنوي يهدف إلى رصد وتحليل أبرز الفعاليات والأحداث الأفريقية المؤثرة في مصر.

الدبلوماسية الثقافية

ينطلق التقرير من فرضية أساسية مفادها أن الدبلوماسية الثقافية أصبحت أحد المسارات الأكثر فاعلية في إعادة بناء الثقة والتواصل بين الدول الأفريقية، وأن السينما، بوصفها لغة عابرة للحدود، تملك قدرة خاصة على تفكيك الصور النمطية وإعادة صياغة الوعي المتبادل.

ومن هذا المنطلق، يبرز مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية كمنصة عملية لترجمة هذا التصور النظري إلى ممارسة واقعية،عبر خلق فضاء تفاعلي يلتقي فيه صناع السينما والباحثون والجمهور من مختلف أنحاء القارة.

المشهد الثقافي الأفريقي

ويحسب للتقرير اعتماده مقاربة تحليلية تربط بين الأداء المؤسسي للمهرجان والسياق الأوسع للسياسة الثقافية المصرية تجاه أفريقيا، فالورقة لا تكتفي بتوثيق النجاحات، بل تسعى إلى تفكيك آليات العمل، وقراءة العلاقة المعقدة بين المؤسسة الثقافية المستقلة والدولة، وكيف يمكن لهذا التداخل أن يتحول من علاقة تبعية أو تعارض إلى شراكة تحقق أهداف استراتيجية مشتركة.

كما يبرز التقرير أهمية الاستمرارية والتراكم بوصفهما عنصرين حاسمين في تقييم التجربة، حيث يظهر مهرجان الأقصر نموذجًا لمؤسسة ثقافية استطاعت، عبر الزمن، بناء هوية واضحة، وشبكة علاقات أفريقية ودولية، ورأسمال رمزي يتجاوز حدود الفعالية نفسها، هذا التراكم هو ما يمنح المهرجان ثقله الاستراتيجي، ويجعله فاعلًا حقيقيًا في المشهد الثقافي الأفريقي، لا مجرد منصة عرض سينمائي.

تحديات الاستدامة

ومن زاوية نقدية، يفتح التقرير المجال للتفكير في تحديات الاستدامة، خصوصًا ما يتعلق بتطوير الأطر المؤسسية، وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية، وتعميق الأثر خارج زمن انعقاد المهرجان، وهي أسئلة لا تطرح بوصفها نقاط ضعف، بل كمداخل تطوير ضرورية لضمان استمرار الدور الاستراتيجي للمهرجان في ظل التحولات المتسارعة في المشهد الثقافي والسياسي الأفريقي.

في المجمل، يقدم التقرير رؤية تحليلية ناضجة تؤكد أن تجربة مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية تمثل نموذجًا قابلًا للدراسة والتطوير، ليس فقط في السياق المصري، بل على مستوى القارة بأكملها، بوصفها تجربة توضح كيف يمكن للثقافة أن تتحول من نشاط رمزي إلى أداة استراتيجية فاعلة في بناء العلاقات، وتعميق الهوية الأفريقية المشتركة.