الاحتفاء بالمسرح الكوري ..نافذة على تجربة آسيوية متجددة بمهرجان شرم الشيخ 

قدّم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته العاشرة واحدة من أكثر ندواته ثراءً وعمقًا، حين خصّص احتفاءً خاصًا بالمسرح الكوري، في خطوة تعكس اتساع رؤيته وتنوع جسوره الثقافية.

الندوة، التي أدارها الكاتب إبراهيم الحسيني بحضور أبرز رموز المسرح الكوري، لم تكن مجرد لقاء تعريفي، بل بدت وكأنها كشفٌ لمشهد مسرحي شديد الحيوية والتطور، يمتد من الطقوس القديمة إلى العمارة المسرحية الحديثة والمسارح البديلة.

التحولات الكبيرة في مسرح شرق آسيا

منذ اللحظة الأولى، وضع رئيس المهرجان الفنان مازن الغرباوي إطارًا واضحًا لأهمية هذه الاستضافة، موضحًا أن اختيار كوريا الجنوبية كـ“ضيف شرف” يأتي انسجامًا مع التحولات الكبيرة التي يشهدها مسرح شرق آسيا. فالتجربة الكورية – التي أعادت تعريف حضورها عالميًا بعد نجاح الدراما الكورية وفوزها بالأوسكار – باتت نموذجًا يستحق الدراسة، ليس فقط على مستوى الصناعة، بل على مستوى مقاربات الأداء وابتكار الفضاء المسرحي.

الكاتب إبراهيم الحسيني بدوره فتح بابًا لفهم الجذور العميقة لهذا المسرح، مؤكّدًا أن الكوريين تمكنوا مبكرًا من استخدام الأقنعة والطقوس الشعبية كوسيلة لانتقاد المجتمع. من هنا ظهرت بنية مسرحية متنوعة اتجهت لاحقًا إلى ثلاثة مسارات رئيسية: مسرح حكومي ممول بالكامل، مسرح مستقل تجريبي، وآخر تجاري يعتمد على الإنتاجات الكبرى. هذا التعدد في النماذج منح المسرح الكوري قدرة على التجدّد دون فقدان جذوره.

نظرية “المسرح البيئي”

أبرز مداخلات الندوة جاءت على لسان البروفيسور جون وونج سون، رئيس جمعية المسرحيين الكوريين، الذي قدّم رؤية تحليلية معمقة حول تطور الفضاءات المسرحية في بلاده، مستندًا إلى نظرية “المسرح البيئي” لريتشارد شيخنر، أهم ما قدمه كان وضع الفنون الأدائية الكورية في إطار أربعة أنماط من المساحات: المكتشفة، المحوّلة، المرتبة، وغير المسرحية، موضحًا كيف تحولت عروض “المادانغ” الشعبية – التي وُلدت في ساحات القرى – إلى مسارح حديثة ومساحات رقمية تستوعب جمهورًا عالميًا.

اللافت أن الباحث لم يكتفِ بالتاريخ، بل قدّم معالم الحاضر: انتشار العروض غير التقليدية، مسارح الشقق والمنازل، والمسارح الصغيرة التي تستقبل عشرين متفرجًا فقط. هذه التجارب، رغم بساطة أدواتها، صنعت جماليات جديدة؛ إذ أصبح الفضاء الضيق جزءًا من الدرامaturجيا، يؤثر على الأداء والتقنيات واللغة البصرية، دون أن يحدّ من قدرة العرض على التأثير.

تطور مستمر

وقد لفت الباحث إلى أن هذا التوجه لا يلقى قبولًا كاملًا لدى جميع الجمهور، مما دفع المسرحيين الكوريين إلى تقديم أشكال مختلفة توازن بين التجريب وحاجات المتلقي المعاصر، في تجسيد حي لطبيعة المسرح الكوري الذي لا يكف عن التطور.

هذه الندوة لم تكن مجرد احتفاء ببلد ضيف، بل كانت جسرًا معرفيًا يفتح أمام المسرحيين العرب نافذة على نموذج مسرحي يتغيّر ويتجدد ويعيد تعريف نفسه باستمرار. إنها خطوة تحسب لمهرجان شرم الشيخ الذي يواصل، عامًا بعد آخر، تحويل منصّته إلى فضاء تبادلي يربط المسرح العربي بأكثر التجارب العالمية حيوية وتأثيرًا.