«الوحش» في شرم الشيخ المسرحي .. من هو الكائن الحقيقي الذي نخشاه؟

بقلم : محمد قناوي

يقدّم العرض المسرحي “الوحش” من دراماتورجيا وإخراج محمد عادل النجار، وإنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية ويمثل مصر في مسابقة العروض الكبرى ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، ويطرح العرض معالجة فكرية حديثة مستلهمة من رواية “فرانكشتاينط لماري شيللي، لكنه يعيد مساءلة مفاهيم الخَلْق والإقصاء والاغتراب في إطار معاصر يضع الإنسان في مواجهة صورته الأعم

من هو الوحش الحقيقي؟

لا يقدّم العرض “الوحش” كمخلوق مشوّه جسديًا فحسب، بل كرمز لإنسان العصر الحديث؛ ذلك الذي يصنعه المجتمع ثم يرفضه، ويدفعه عبر الإدانة والعزلة لأن يتحول إلى مرآة تكشف قبح العالم، يذهب محمد عادل النجار أبعد من الرواية الأصلية، فيحوّل المخلوق إلى ضحية، بينما يصبح المجتمع نفسه الوحش الذي يمارس الإقصاء على كائن لم يطلب إلا أن يرى كما هو.. وهكذا يعود السؤال الأزلي: من هو الوحش الحقيقي؟ ويتركه العرض مفتوحًا، كاشفًا أن الوحش ليس من ولد مختلفًا، بل من شوّهته نظرة الآخرين.

الرؤية الإخراجية

اعتمد النجار رؤية إخراجية تحرّر النص من حبكته الكلاسيكية، عبر خلق فضاء مسرحي متغيّر يتقاطع فيه الزمن والمكان، وتصبح الحركة فيه تعبيرًا عن اهتزازات الوعي وصراع الشخصيات مع العالم.

الإضاءة التي صمّمها أحمد طارق بوصفها عنصرًا دراميًا لا تجميليًا، إذ صنعت فضاءات العزلة والوحشة، وحجبت المخلوق بين قوسي الضوء والظل، والموسيقى التي وضعها الطيب سلامة كصوت داخلي للمخلوق، يعبّر عن احتجاجه وصراعه النفسي، ويخلق إيقاعًا داخليًا يربط بين لحظات الهدوء والعصف.

الأداء التمثيلي

سعيد سلمان “المخلوق” أداء مكثّف جمع بين القوة الجسدية والهشاشة الروحية، مقدّمًا شخصية لا تخيف بقدر ما تستدرج التعاطف، باعتبارها مرآة لوجع الإنسان، محمد حسن “فيكتور فرانكشتاين” قدّم شخصية العالم المهووس بالخلق عبر مستويات متعددة تجمع بين الطموح العلمي والعجز الأخلاقي، عبد الفتاح الدبركي” دي لاسي” جسّد نافذة الأمل والقبول في عالم موصد، مضيفًا ثقلًا إنسانيًا للعرض ، وشارك كل من نيللي الشرقاوي وهبة الكومي وأحمد الرمادي ومصطفى منير في أداء متناغم اعتمد على الدقة الحركية وروح الفريق، وهي سمة بارزة في رؤية المخرج.

أما ديكور” ياسمين هاني”، فجاء بسيطًا ومرنًا، يتيح للمتلقي بناء عالمه الخاص، دون ازدحام بصري ، الملابس والماكياج لــ” أميرة صابر ونادين أشرف” حملا دلالات رمزية تعكس التحوّلات النفسية للمخلوق وصانعه، عبر تدرّجات لونية وملامح تجسّد الانكسار أو الصعود.

يفتح العرض باب الأسئلة الوجودية، هل ، يحق للإنسان تجاوز حدود الخلق؟ الاختلاف خطيئة أم طبيعة؟ المجتمع ضحية أم جلاد؟ هل يتحول الإنسان إلى وحش باختياره، أم بدفع الآخرين له؟، “الوحش”ليس حكاية مخلوق يعود من الموت؛ بل حكاية إنسان يولد من جديد كلما قوبل بالرفض أو الإقصا

انتصار لخيال الشباب

يقدّم محمد عادل النجار من خلال “الوحش” نموذجًا حيًا لقدرة الشباب على إحياء الكلاسيكيات بحس معاصر ورؤية جمالية تتجاوز النقل المباشر… إنه عرض يعيد الاعتبار للمسرح بوصفه مساحة للتأمل والأسئلة والقلق الجميل، ويضع المتفرج أمام مرايا متعددة، ليكتشف في النهاية: الوحش الحقيقي قد لا يكون على الخشبة… بل في أعماق العالم الذي نصنعه بأيدينا.