المخرج الكبير محمد عبد العزيز الذي كرمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مساء امس بمنحة جائزة الهرم الذهبي ، يعد أحد أعمدة السينما المصرية، وواحدًا من أهم صناع الكوميديا على مدار عقود، حتى أطلق عليه لقب “خليفة المخرج فطين عبد الوهاب”. رحلته الفنية لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة شغف مبكر بالسينما بدأ منذ طفولته في أروقة الاستوديوهات، تحت إشراف كبار المخرجين مثل صلاح أبو سيف وحسين كمال، الأمر الذي منح عبد العزيز قاعدة صلبة في فنون الإخراج ومهارات صناعة الفيلم.
البدايات: صقل الموهبة في كواليس الاستوديو
منذ أن كان عمره خمس سنوات، جذبته أضواء الاستوديو، وحينما بدأ العمل كمساعد مخرج في أفلام كلاسيكية مثل نحن لا نزرع الشوك وثرثرة فوق النيل، تعلّم أسرار صناعة الفيلم من أقطاب السينما المصرية، وصقل قدراته في التعامل مع الممثلين والسيناريوهات، قبل أن يقدم أول تجربة إخراجية له بفيلم صور ممنوعة – القصة الأولى.
كان لتوجيهات أساتذته أثر بالغ، خاصة حلمي حليم، الذي نصحه بالاتجاه نحو الكوميديا، وهو ما أصبح لاحقًا العلامة المميزة لمسيرته.
التعاون مع عمالقة الفن: النجوم والسيناريو
تميز عبد العزيز بقدرته على العمل مع كبار نجوم الكوميديا، وعلى رأسهم عادل إمام، فنتج عن هذا التعاون سلسلة من الأعمال التي لا تزال محفورة في ذاكرة الجمهور، مثل: على باب الوزير، عصابة حمادة وتوتو، خلي بالك من عقلك، الحكم آخر الجلسة
كما كان عبد العزيز مكتشفًا للنجوم وصانعًا للأيقونات السينمائية، إذ استطاع أن يقدّم شخصيات كوميدية واجتماعية متكاملة، تربط بين الفكاهة والواقع المصري، وتتحول إلى إرث فني خالد.
التنوع الفني: من الكوميديا إلى الدراما
رغم أن الكوميديا كانت سمة عبد العزيز الأساسية، إلا أن تجربته لم تقتصر عليها، فقدّم أعمالًا تراجيدية ورومانسية، مثل: ولكن شيئًا ما يبقى، رحلة الشقاء والحب، أجراس الخطر
وقد نجح في المزج بين البُعد الاجتماعي والنكتة اللاذعة، ليقدم كوميديا ذكية تتجاوز سطحية الموقف، وتطرح نقدًا اجتماعيًا ضمنيًا.
الإسهام في المسرح والتلفزيون
لم يقتصر عبد العزيز على السينما، بل أثرى المشهد الفني بمسرحيات خالدة مثل: شارع محمد علي، عفروتو، بهلول في إسطنبول
كما كان له حضور مهم في التلفزيون من خلال مسلسلات ناجحة، أبرزها: يوم عسل يوم بصل، حارة الطبلاوي، إسماعيل ياسين أبو ضحكة جنان
هذا التنوّع بين السينما والمسرح والتلفزيون يعكس رؤيته الشاملة للفن، وفهمه العميق لجمهور مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية.
مدرسة محمد عبد العزيز في الإخراج
المخرج محمد عبد العزيز لم يكن مجرد مخرج غزير الإنتاج، بل كان فنانًا صاحب رؤية واضحة: فهم نبض الشارع، وعرف كيف يحوّل الواقع إلى كوميديا اجتماعية راقية. قدرته على توظيف النص والحوار والممثلين خلقت مدرسة خاصة في الإخراج الكوميدي، وترك إرثًا متكاملًا من الأعمال التي أثرت جيلًا كاملًا من صناع الفن، بما في ذلك نجله كريم عبد العزيز الذي أكمل مسيرة والده في السينما.
يبقى محمد عبد العزيز علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية، ليس فقط كصانع للبهجة والضحك، بل كرمز لإبداع متكامل استطاع أن يمزج بين الكوميديا والدراما والاجتماعيات بطريقة فنية راقية. إرثه الفني يمثل نقطة تحول في الكوميديا المصرية، ويظل مصدر إلهام لكل مخرج يسعى لفهم العلاقة بين الفن والجمهور، وبين الكوميديا والنقد الاجتماعي

