الهجوم القاسي الذي تعرّض له الفنان طه دسوقي خلال الأيام الماضية من الصحافة ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد الاسكتش الذي قدّمه في افتتاح الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي، أعاد إلى السطح علاقة الفنانين الملتبسة بالإعلام ، فقد وجّهت إليه اتهامات بتشويه صورة الصحافة أو معاداتها، لكن في الحقيقة ما حدث مع” دسوقي” ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من سوء الفهم بين الفنان والسوشيال ميديا.
كذبة السوشيال ميديا
خلال السنوات الأخيرة، سمح الفنانون للسوشيال ميديا بأن تتوغّل في حياتهم، وأن تمنح نفسها الحق في الإشادة بهم أو الهجوم عليهم، ورغم إدراكهم أن السوشيال ميديا “كذبة كبيرة”، فقد اختاروا تصديقها، وشاركوا جمهورهم تفاصيلهم الخاصة والعائلية والمهنية، فارتبطوا بها حتى الإدمان، واعتبروا المديح الوهمي نجاحًا، والتفاعل الرقمي شهرة.
ومع مرور الوقت، تحولت حسابات الفنانين إلى منصاتٍ إعلامية بديلة، ينشرون من خلالها أعمالهم وأخبارهم الشخصية، ويتابعون بأنفسهم التفاعل حولها ، لكنهم نسوا أن من يصفّق اليوم قد ينتقد غدًا، وأن الإعجاب الافتراضي لا يصنع رصيدًا فنيًا حقيقيًا ، لقد أغرتهم المجاملات ودفعتهم إلى تصديق ما يكتب عنهم على صفحات التواصل، حتى فقدوا ثقتهم في النقد الجاد والصحافة المتخصصة.
وهنا تأتي الحقيقة التي يجب أن تقال بوضوح: الصحافة لم تخلق صحافة السوشيال ميديا… بل الفنانون هم من صنعوها ، فعندما ابتعد الفنان عن الصحفي الحقيقي والمحاور المتخصص، وفضّل أن يتحدث عن نفسه عبر صفحته الشخصية، فقد اختار طواعية أن يستبدل الصحافة المهنية بصحافة “المنشورات”.. وحين اكتفى بأن يكتب هو عن نفسه وينشر أخباره وصوره، صارت الصحافة التقليدية تكتفي بالنقل عنه، ففقدت الحرفة مضمونها وعمقها، وأصبح “الترند” هو المرجعية.
حوار مدفوع الأجر
ولم توقّف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل جعل الفنانون الحوار معهم “مدفوع الأجر”، فلم يعد الجمهور يعرف شيئًا عنهم أو عن أعمالهم الجديدة إلا عبر البرامج التلفزيونية أو اللقاءات الإعلامية التي يجرونها بمقابل مادي، وكأنهم حوّلوا الحوار إلى سلعة لا إلى مساحة تواصل.
هكذا تراجعت قيمة الحوار الصحفي الحقيقي، الذي كان يقوم على المعرفة والتفاعل الإنساني، لتحلّ محلها لقاءات تجارية يغيب عنها السؤال الجاد والنقد الموضوعي.
لقد أفسدت السوشيال ميديا الفن والفنانين حين حوّلت الرأي الشخصي إلى مرجع، والمجاملة إلى معيار، وأضعفت الثقة بين الفنان والصحافة، ومع ذلك، ما زالت الصحافة الفنية الحقيقية قائمة، بأقلام نقدية تعرف الفرق بين النقد والعداء، وبين الخبر والشائعة ، وإن كان للفنان أن يتمتع بالضوء، فعليه أيضًا أن يتحمل حرارته.