نورا أنور تكتب : « ضي».. بين قوة الفكرة وعثرات التنفيذ

بعد النجاح الكبير الذي حققه المخرج كريم الشناوي في دراما رمضان 2025 ، من خلال مسلسل « لام شمسية »، جاء فيلمه الجديد « ضي» محملا بانتظارات واسعة من الجمهور والنقاد على السواء،  فقد بدا طبيعيا أن يستثمر الشناوي نجاحه الدرامي في مغامرة سينمائية ، تفتح له مسارا آخر خاصة مع ما عرف عنه من دقة في إدارة التفاصيل وقدرته على توجيه الممثلين ، وتطويع الصورة البصرية ، لكن فيلم « ضي» رغم فرادته من حيث الفكرة والبطولة المختلفة لم يتمكن من ملامسة نفس مستوى الإتقان وجاء عملا متأرجحا بين قوة الرسالة الإنسانية وعثرات السرد الدرامي.

البناء الدرامي

أول ما يلفت النظر في « ضي» هو ضعف السيناريو ، الذي لم يقدم بناء دراميا متماسكا بل اعتمد بشكل أساسي على حضور نجوم كبار، أمثال أحمد حلمي، محمد ممدوح، صبري فواز، والكينج محمد منير، عارفة عبد الرسول، غير أن هذا الحضور بدا أقرب إلى ضمان تسويقي منه إلى أدوار عضوية في الحكاية ، بعض هذه الشخصيات ظهر بلمحات سريعة لا تضيف إلى مسار البطل ، قدر ما تراهن على جذب المشاهد،  لحظة عاطفية أو استعراضية تجلت أبراز الثغرات في مشاهد بدت مفارقة للمنطق ، كمشهد ظهور محمد منير في المستشفى الذي قرر فيه تهريب « ضي» ووالدته بدلا من تقديم المساعدة الفعلية،  بدا الموقف مفتعلا لا يخدم السياق ، بقدر ما يخاطب حنين الجمهور لرمزية “الكنج”  كذلك رحلة الانتقال من أسوان إلى القاهرة شابتها مبالغات زمنية واضحة،  إذ تم اختزال زمن الرحلة بالصندل التي قد تستغرق فعليا أكثر من أربعة أيام إلى أقل من يوم واحد ، هذه القفزات أضعفت صدقية البناء السردي ، وقطعت أحيانًا حالة التماهي مع القصة.

التفاصيل الجمالية

ورغم هذه العثرات لا يمكن إنكار أن كريم الشناوي يمتلك عينا بصرية قادرة على التقاط التفاصيل الجمالية ، تكوين الكادرات وحسن استغلال الطبيعة الأسوانية ، أعطى الفيلم ملمحا بصريا مميزا ، غير أن الاعتماد على الجماليات لم يغط الفجوات الدرامية، كما ظهر ضعف في بعض الاختيارات التقنية؛ مثل عدم الاستعانة بالصوت الغنائي مناسب لعمر البطل الذي لا يتجاوز الرابعة عشرة ، هذا القرار أحدث فجوة بين الشكل الخارجي للشخصية وصوتها ما أثر على مصداقيتها .

أحد أهم مكاسب فيلم « ضي» هو القدرة على خلق توليفة تمثيلية متعددة الجنسيات ما أضفى على الفيلم تنوعا ثقافيا وجغرافيا •

  • إسلام مبارك: الممثلة السودانية قدمت واحدا من أقوى أدوارها متقنة اللهجة الصعيدية ومجسدة مشاعر الأمومة القاسية بحرصها المفرط على حماية ابنها من الشمس والناس
  • أسيل عمران: الفنانة السعودية أضافت حضورا رقيقا وكسرت النمطية المعتادة في الشخصيات الثانوية
  • بدر محمد: الطفل الذي جسد شخصية « ضي» كان رهانا جريئا من المخرج خاصة أنه في الواقع يعاني من مرض الألبينو هذا جعل جمع بين الواقع والخيال أضفى صدقا عاطفيا على الأداء رغم محدودية خبرته الفنية
  • حنين سعيد قدرت تعبر  مشاعر الحرمان الابنة والاخت التي تعاني من عدم اهتمام الاهل لمجرد وجود طفل مختلف بالاسرة
  • النجوم الضيوف: وجودهم  شكل إضافة رمزية أكثر منها فنية إذ لم تكتب أدوارهم بما يمنحهم عمقا دراميا يوازي ثقل حضورهم الفكرة والبعد الإنساني

قضية إنسانية

ورغم كل ما سبق فإن الفيلم ، يحسب له جرأته في الاقتراب من قضية إنسانية نادرة الحضور على الشاشة ، مرض الألبينو أو “عدو الشمس” ، هذه الحالة الطبية التي تجعل المصاب شديد الحساسية لأشعة الشمس ترتبط في مجتمعاتنا بالتنمر والعزلة الاجتماعية عبر شخصية «ضي» ، سلط كريم الضوء على معاناة المختلفين،  وكيف يصبح الطفل حبيسا بين جدران البيت نتيجة خوف الأم من قسوة العالم ، المفارقة أن الفيلم في لحظاته الأصدق كان الأكثر بساطة ، مشاهد التنمر المدرسي،  وقلق الأم ، وحسرة الطفل أمام حلم الخروج إلى النور هنا فقط نجح «ضي» في ملامسة الوجدان بعيدا عن بهرجة النجوم أو فخ الإقحام الرمزي

فيلم « ضي» قدم نوايا إنسانية نبيلة ، حاول أن يفتح نافذة على قضية مهملة،  لكنه تعثر في تفاصيل الحكاية والتنفيذ ضعف السيناريو والمغالطات الزمنية، وبعض القرارات الإخراجية غير الموفقة ، جعلته يبدو أقل من طموحات صانعه ، ومع ذلك لا يمكن إنكار أن الفيلم قدم لحظات صادقة بفضل أداء بعض الممثلين ، وعلى رأسهم إسلام مبارك ، وبدر محمد

 في النهاية يبدو أن « ضي»  تجربة انتقالية في مسيرة كريم الشناوي،  تجربة اكدت علي شجاعته في خوض موضوعات حساسة،  بدأت بمسلسل “لام شمسية” واكدها بفيلم « ضي» لكنها تكشف أيضا الحاجة إلى سيناريو أكثر صلابة يوازي رصيده البصري وإدارته للممثلين وبين نجاح الاسم وعثرات النص يبقى « ضي» ،  عملا يستحق المشاهدة والنقاش لا باعتباره إنجازا كاملا ، بل بوصفه خطوة في مسار مخرج يسعى إلى تثبيت قدميه بين الشاشة الصغيرة والكبيرة