نورا أنور تكتب : «7 راكب».. رسالة أمل من خشبة مسرح السامر

قبل حضوري العرض المسرحي «7 راكب»، تأليف عوض إبراهيم  وأمير عبد الواحد وأحمد حنوت وإخراج عمرو حسن، لم أتوقع الكثير ، كنت أظن أنني أمام عرض موجه بالأساس يحمل الطابع التوعوي المباشر باعتباره من إنتاج صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بالتعاون مع وزارة الثقافة والهيئة العامة لقصور الثقافة

توقعت أن تكون الرسالة أهم من الفن وأن أخرج من القاعة بانطباع عابر، أكتفي بعده بكتابة ببوست تهنئة لصديقي المخرج عمرو حسن، لكن العرض قلب هذه التوقعات رأسًا على عقب إذ قدم تجربة ممتعة ومشغولة بعناية بعيدة عن المباشرة إلا في دقائقها الأخيرة وهو ما جعله مختلفًا ومؤثرًا

الممثلين .. أول دفعة للمتعافين من الإدمان

أبرز ما جعل العرض لافتًا هو اختيار المخرج عمرو حسن خمسة من أبطاله من أول دفعة للمتعافين من الإدمان هذا القرار لم يكن سهلا إذ استلزم أربعة أشهر من التدريب المستمر حتى يقفوا بثقة على الخشبة

المفاجأة أن الجمهور لم يشك لحظة في أنهم ممثلون أو وجوه جديدة  قبل أن يعلن المخرج في النهاية حقيقتهم ، هذا الكشف أضاف طبقة إنسانية عميقة إلى العرض نحن لا نشاهد فقط شخصيات متخيلة بل نرى متعافين يواجهون الجمهور ويعلنون قدرتهم على العودة إلى الحياة عبر الفن.

الحدوتة.. رحلة التيه في الصحراء

ينطلق العرض من فكرة بسيطة وثرية سبعة ركاب (ستة شباب وسائق وزوجته) في طريقهم إلى الإسكندرية لكنهم يضلون الطريق في الصحراء.. هذا التيه المكاني يتحول إلى تيه نفسي إذ يبدأ كل واحد منهم في سرد حكايته الخاصة فيكشف عن جرح أو أزمة أو حلم مؤجل ، اللافت أن البنية أقرب إلى اللوحات الدرامية حيث يتعاقب الركاب على تقديم قصصهم، ورغم اختلاف الحكايات إلا أنها تلتقي جميعا عند شعور مشترك بالخذلان والرغبة في الخلاص.. وفي الربع الأخير تتفجر الأزمة بعودة أحد الشباب متعاطيًا ليصبح «المدمن» وجها لوجه مع الجمهور، وتبرز الرسالة التوعوية.

عبد المنعم رياض صدق التجربة الإنسانية ورمانة الميزان

الأداء في «7 راكب» كان متنوعا لكنه اتسم بقدر كبير من الصدق. الممثلون المتعافون لم يقدموا فقط أدوارا بل جسدوا أنفسهم بصورة أو بأخرى وهو ما منح العرض عفوية وحرارة ، لم يكن الأداء مثاليا من الناحية التقنية دائما و لكنه كان ممتلئا بالحيوية.

وهنا برزت أهمية وجود الفنان عبد المنعم رياض في دور السائق فقد شكّل حضوره «رمانة الميزان» للعمل بأكمله إذ جمع بين خبرته كممثل محترف وبين قدرته على التفاعل مع طاقات الوجوه الجديدة وجوده أضفى عمقًا وتماسكا على المشاهد وجعل المتعافين يشعرون بالأمان الفني وهم يؤدون أدوارهم بجواره

بهذا المعنى، لم يكن رياض مجرد بطل العرض، بل كان أيضًا الداعم الأساسي لزملائه وحلقة الوصل بين التجربة المسرحية والاحترافية الفنية.

الجمهور تفاعل مع الشخصيات وتعاطف مع حكاياتها وكأن صدق التجربة طغى على أي هنات تمثيلية وهذا في حد ذاته نجاح للمخرج في توظيف خامات بشرية غير تقليدية في عمل فني متماسك

المخرج عمرو حسن ومغامرة الرهان على الفن

اختار المخرج عمرو حسن مقاربة تجمع بين الواقعية والرمزية ، المكان هو الصحراء لكنه يتحول إلى مساحة اعتراف ومواجهة داخلية الرحلة لم تكن جغرافية فقط بل نفسية أيضًا.

إيقاع العرض حافظ على التوازن بين السرد الفردي والتفاعل الجماعي وبين المشاهد الهادئة واللحظات المتوترة  ورغم أن الرسالة التوعوية ظهرت بوضوح في النهاية إلا أن المخرج تجنب أن يثقل العرض بالمباشرة منذ البداية، وهو قرار ذكي ساعد في الحفاظ على انتباه الجمهور

الديكور والاضاءة من أبطال العرض

رغم بساطة الديكور الذي صممه عبدالله محروس فقد جاء معبرا عن حالة التيه والفراغ الصحراوي، لكن الإبداع الحقيقي كان في تصميم الإضاءة للفنانة عز حلمي،  فالإضاءة لم تكن مجرد وسيلة تقنية بل راو مواز للحكاية من خلال إسقاطات على الصخرة شاهدنا فيديوهات للأم التي تطمئن ابنها وللأب الذي يشجع ابنه على الفن ومشاهد تجسد الأمل والانكسار معا، هذه الاستخدامات منحت العرض بعدا شعوريا إضافيا وعمقت العلاقة بين الواقعي والمتخيل

الموسيقى والشعر

الموسيقى التي أعدها أحمد الناصر جاءت متناغمة مع الجو العام تصعد التوتر حين يلزم وتخفف الإيقاع حين تتسع لحظات البوح. كما أضاف الشعراء المشاركون منم أحد المتعافين – أحمد الشرقاوي، طارق علي،  ومحسن عموشة .

الصدمة الإيجابية

الجمهور تابع العرض بانتباه كامل. وربما لم يكن يتخيل أن من يشاهدهم على الخشبة هم متعافون من الإدمان لحظة إعلان المخرج هذه الحقيقة أحدثت صدمة إيجابية حيث انقلبت صورة «المدمن» في ذهن المشاهد من شخص ضعيف منكسر إلى بطل قادر على الوقوف على الخشبة وإقناع الناس

الفن كأداة للشفاء والتغيير

ما يميز «7 راكب» أنه لم يكتفِ بالتحذير من الإدمان بل جسد فعل التعافي نفسه وحول المسرح إلى مساحة للشفاء الجماعي.. الرسالة لم تكن تقريرية بل جاءت من داخل التجربة الفنية ذاتها

في نهاية الامر يمكن القول إن «7 راكب» ليس مجرد عرض مسرحي بل تجربة مجتمعية تحمل أبعادا جمالية وإنسانية معا لقد أثبت أن الفن يمكن أن يكون جسرا حقيقيا للعبور من الألم إلى الأمل ومن العزلة إلى الاندماج.

بهذا المعنى لم يكن الشعار صندوق مكافحة وعلاج الادمان «بالفن نقدر نغير» مجرد عبارة بل تحول إلى حقيقة ملموسة على خشبة المسرح

ولا يمكن تجاهل الدور المحوري الذي لعبه الفنان عبد المنعم رياض، الذي كان حضوره بمثابة الضمانة الفنية للعمل، والرمانة التي حافظت على توازن الأداء بين المحترفين والمتعافين. وجوده أعطى ثقلا إنسانيا وفنيا مضاعفا للعرض ليصبح اسمه جزءًا من التجربة التي أثبتت أن المسرح قادر على التغيير بالفعل ومدعوما بإيمان المخرج عمرو حسن برسالته وبقدرته على تحويل الفن إلى أداة للتوعية والتغيير.