في مثل هذا اليوم قبل 50 عاما صدر فيلم”العصفور” ليوسف شاهين الذي واجه مشاكل وعقبات كثيرة مع الرقابة لمدة عامين فقد تم الانتهاء من تصويره 1972 ولكن لم يتم التصريح بعرضه إلا عام 1974 وشارك في بطولة الفيلم عدد كبير من النجوم والوجوه الشابة وقتها، ومنهم سيف الدين، وحبيبة وصلاح قابيل، ومحسنة توفيق، ومحمود المليجي، وصلاح منصور، وعلي الشريف، ومريم فخرالدين، ورجاء حسين، وعبدالوارث عسر، وحسن البارودي، ونظيم شعراوي، ومحمود قابيل، وحمدي أحمد، وكتب سيناريو وحوار والرؤية السينمائية لطفي الخولي ويوسف شاهين الذي أخرج الفيلم الذي احتل المركز 45 في قائمة أفضل فيلم في السينما المصرية

دخل الفيلم في أزمة مع الرقابة وواجه تعسفاً شديداً مع الرقابة، حيث تم الاعتراض عليه بس بسبب جرأته الشديدة في انتقاد الأوضاع السياسية والإجتماعية في مصر بعد نكسة 1967 والإسقاط على بعض الشخصيات الموجودة في السلطة في ذلك الوقت وكاد الفيلم يتسبب في سحب الجنسية من المخرج يوسف شاهين
فعلى الرغم من أن القصة تحمل اسم يوسف شاهين ونجيب محفوظ ولكن الرقباء وقتها قالوا بأن القصة غير محددة المعالم وبعدها بأشهر سمحت بتقديم السيناريو ، ليعرض الفيلم نفسه على الرقابة بعد كل هذه العقبات في مايو 1973 ليوصي إتنان من الرقباء بعرضه بعد حذف مشهد ،في حين قرر الرقيب الثالث حينها منع الفيلم نهائيا ،ليعرض الفيلم على لجنة استشارية والتي رفضت أيضا عرض الفيلم ووصلت الأزمة للصحافة وقتها مما شكل ضغطا دفع وزير الثقافة لتشكيل لجنة أخرى خاصة بعد عرض الفيلم في بعض الدول العربية التي شاركت في الإنتاج ومن بينها الجزائر ،فقررت اللجنة الأخيرة عرض الفيلم بعد تنفيذ ملاحظات وحذف مشهد ليسمح بعرض الفيلم بعدها بعام.

تقدم المخرج يوسف شاهين للرقابة للحصول على ترخيص بعرض فيلمه “العصفور”، فوافق وزير الثقافة يوسف السباعى ليعرض فى 26 أغسطس مثل هذا اليوم 1974، بعد عامين من المنع
رحلة الفيلم
تقول أمل عريان فؤاد فى كتابها “سلطة السينما – سلطة الرقابة”: تقدم يوسف شاهين بسيناريو الفيلم إلى مؤسسة السينما لإنتاجه، وطلبت اللجنة الاجتماع به لمناقشته، وأمام اللجنة وقع فى امتحان واستجوابات عسيرة ضاق ذرعا بها، وانصرف دون اتفاق فى نهاية سنة 1971 وبداية 1972، وتؤكد أنه قرر أن ينتجه بنفسه بالاشتراك مع مؤسسة السينما الجزائرية، خاصة أنه قدم فى عام 1958 فيلما عن المناضلة الجزائرية “جميلة بوحيرد”

بدأ تصوير “العصفور” فى يونيو 1972، ويتناول هزيمة 5 يونيو 1967 وأسبابها الداخلية، وتدور قصة الفيلم قبل وقوع الهزيمة، حيث يعمل الصحفى يوسف، بكل جد على إجراء تحقيق صحفى يتعلق بالسرقات التى تقع فى القطاع العام، وهو ما يتبين له من خلال مصنع لم يكتمل بناؤه فى قرية بالصعيد حيث تتم سرقة معداته، وعلاقة ذلك بمن فى السلطة، وفى نفس الوقت تعمل بهية الخياطة المقيمة فى حى الحسين لتوفير معيشة طيبة لابنتها الطالبة الجامعية، وتؤجر غرفا سكنية لأشخاص ينتمون لشرائح مختلفة من الشعب المصرى، وتقع حرب 5 يونيو، ويلتف الجميع حول أجهزة الراديو ليستمعوا إلى البيانات الكاذبة عن إسقاط طائرات العدو، حتى يظهر عبدالناصر فى 9 يونيو على شاشات التليفزيون، ويعلن التنحى لتنطلق بهية ومن خلفها الجماهير لتهتف فى الشوارع: “حنحارب.. حنحارب” فى الوقت ذاته ينطلق العصفور من قفصه الحديدى.

انتهى شاهين من تصوير الفيلم فى سبتمبر 1972، وسافر إلى باريس للتحميض والطبع ليعد نسخة جاهزة للعرض مدتها 95 دقيقة ليتقدم بها إلى المصنفات الفنية، لكن التقرير عنه حمل ملاحظات، تركز على مساوئ الجبهة الداخلية، وسرقة القطاع العام بمشاركة مسؤولين سياسيين وفى جهاز الشرطة، وبناء على هذا التقرير تقرر منع عرض الفيلم نهائيا.
مهرجان كان
طار يوسف شاهين إلى الجزائر حيث يوجد النيجاتيف الأصلى للفيلم، وأعاد طبعه مرة أخرى وعرضه فى الجزائر ليحقق نجاحا كبيرا، ثم عرضه أربع مرات فى مايو 1973 فى مهرجان كان فى الدورة 26 ممثلا عن الجزائر، وحاز على إعجاب النقاد، وعرض فى مهرجان “بيت مرى” فى لبنان، وأثار جدلا واسعا فى الصحافة اللبنانية، وأصدر الحاضرون فى المهرجان بيانا بعرض الفيلم لكونه أحد أهم الأفلام فى السينما العربية، وموضع فخر لكل عربى ومصرى.

بعد انتصار الجيش المصرى فى حرب 6 أكتوبر 1973، بدأت حملة صحفية تطالب بعرض “العصفور” فى مصر، ووافق وزير الثقافة يوسف السباعى، وكان العرض الأول يوم 26 أغسطس 1974 بسينما رمسيس، وظل خمسة أسابيع فقط محققا إيرادا لا يتعدى خمسة آلاف جنيه، ووضع شاهين تترا فى بداية عناوين الفيلم يقول: “العصفور لم يكن يستطيع أن ينطلق، لولا الانطلاقة الكبيرة للإنسان المصرى فى يوم 6 أكتوبر العظيم”.

اشترك الشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى فى الفيلم بأغنية: “مصر يا أمة يا بهية..يا أم طرحة وجلابية..الزمن شاب وانتى شابة..هو رايح وانتى جاية”، وكان جهاز أمن الدولة مشغولا بكيفية القبض عليهما، منذ تأليف “نجم” لقصيدة “شرفت يا نيكسون بيه”، بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكى نيكسون لمصر يوم 12 يونيو 1974، انتظرت سلطات الأمن الفرصة، حتى وجدتها فى سهرات كان يقضيها الاثنان فى منزل “سيف الغزالى” بالدرب الأحمر، خاصة سهرة يوم 5 يوليو 1976 وحضرها عشرة أفراد، ويذكر عيسى أن رئيس نيابة أمن الدولة أعطى إذنا بضبط وتفتيش ستة عشرة شخصا من بينهم كل الذين حضروا سهرة 5 يوليو، وفى مقدمتهم”نجم” و”إمام”، لكن الإذن لم ينفذ خلال الفترة المحددة له وهى خمسة عشر يوما، وطلبت المباحث تجديده، لكن يبدو أن تحديد يوم 26 أغسطس 1975 موعدا لعرض”العصفور”حال دون تنفيذ الإذن فى موعده، إذ الغالب أن سلطات الأمن خشيت أن يستغل غيابهما عن حفلة العرض الأولى للفيلم لإثارة حملة تضامن معهما.
فيلم: ” العصفور 1972 “
رؤية سينمائية: يوسف شاهين
سيناريو و حوار: لطفي الخولي & يوسف شاهين
مدير التصوير: مصطفى إمام
مونتاج: رشيدة عبد السلام
كبير مهندسي الصوت: نصري عبد النور
الموسيقى التصويرية: علي إسماعيل
ألحان و غناء: الشيخ إمام
ملاحظ سيناريو: حسن عبد ربه
مساعد مخرج: علي بدرخان & نذير عزيزي
إخراج: يوسف شاهين