مهرجان شرم الشيخ على أعتاب تحوّل استراتيجي.. من منصة شبابية إلى بوابة دولية للمسرح

جاء لقاء المخرج مازن الغرباوي، رئيس مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، بالمشاركين المصريين ليكشف بوضوح عن مرحلة جديدة يعيشها المهرجان، تقوم على إعادة بناء بنيته الفكرية والتنظيمية وتوسيع طموحه ليصبح واحدًا من أهم الملتقيات المسرحية الدولية في المنطقة.

منذ افتتاح الندوة التي أدارها الناقد والمخرج جمال عبد الناصر، بدا أن الهدف يتجاوز مجرد الحوار أو التقييم، ليأخذ شكل جلسة تخطيط استراتيجي تشارك فيها العقول المسرحية، وتناقش فيها آليات تعزيز الحضور المصري في الدورة العاشرة وما يليها.

إعادة رسم خارطة المشاركة المصرية

شدّد جمال عبد الناصر على أن الغرباوي يحمل رؤية واضحة تجاه تمكين المشاركين المصريين، وهو ما ظهر في تأكيد رئيس المهرجان بأن هذه الدورة شهدت أعلى نسبة مشاهدة للعروض المصرية منذ انطلاق المهرجان. هذا الارتفاع لا يُقرأ فقط بوصفه نجاحًا رقميًا، بل يعكس ثقة متزايدة في المنتج المسرحي المحلي ورغبة المهرجان في تصديره للخارج.

وتتجسد فلسفة “الاحتضان والتطوير” في تجارب واقعية مثل الدكتورة أميرة الشوادفي والدكتور سيد عبد الرازق، اللذين تحولا من مشاركين في مسابقات المهرجان إلى أعضاء في لجنة التحكيم. هذا التحوّل يعكس رؤية ممنهجة تقوم على اكتشاف الطاقات ثم دمجها في صناعة القرارات الثقافية.

STFY IN وSTFY OFF… خطوة نوعية تصنع مهرجانين داخل مهرجان

يعد الإعلان عن إطلاق نظامي STFY IN وSTFY OFF أهم ما حمله اللقاء، إذ يمثل انتقالًا من النموذج التقليدي للمهرجانات العربية إلى نموذج عالمي مستلهم من مهرجان أفينيون الفرنسي:

STFY IN: العروض الرسمية التي تختارها لجان متخصصة وفق معايير فنية دقيقة.

STFY OFF: عروض جماهيرية تجارية “مباعة” تخلق حركة مسرحية اقتصادية موازية وتوفر فرصًا أكبر للفرق المستقلة.

هذه الصيغة لا تضيف فقط تنوعًا فنيًا، بل تؤسس لسوق مسرحية قائمة على البيع والشراء، وهو ما أكد عليه الغرباوي خلال حثه الشباب على إنتاج عروض قابلة للتسويق الدولي.

رؤية زمنية واسعة.. من 10 أيام إلى شهر كامل

إعلان الغرباوي عن مدّ المهرجان إلى 10 أيام في النسخة الحادية عشرة يعكس رغبة في تحويل المهرجان إلى “مدينة مسرحية” مفتوحة، على أن يمتد مستقبلاً إلى شهر كامل مثل أفينيون، حيث يعيش الجمهور في حالة احتفال فني دائم.

ويزيد من أهمية هذه الرؤية إعلان أن مصر ستكون ضيف شرف مهرجان أفينيون في نسخته المقبلة، وهو ما يمنح مشاركة الشباب المصري فرصة ذهبية للظهور على أبرز منصات المسرح العالمية، وبما يجعل مهرجان شرم الشيخ بوابة حقيقية للعبور إلى الساحة الدولية.

شبكة دولية من الحضور.. وفتح أبواب التصدير الفني

أشار الغرباوي إلى وجود نحو 40 رئيس مهرجان دولي يتابعون العروض هذا العام، وهو رقم يعكس مكانة المهرجان وقدرته على جذب الصنّاع العالميين. هذا الوجود لا يحمل بعدًا رمزيًا فحسب، لكنه يعزز حركة تبادل العروض، خصوصًا أن بعض المهرجانات اشترت عروضًا من دورات سابقة.

حوار واسع ورؤى متعددة من نجوم ومفكرين

لم يكن اللقاء أحادي الصوت؛ فقد شارك فيه الفنانون والمفكرون من أمثال سامح الصريطي، الدكتورة عبير فوزي، الدكتورة مروة عوده، الدكتور أبو الحسن سلام، والفنانتين سمر جابر ونيفين أنور وآية مكرم، إلى جانب مداخلات أخرى ثرية. هذا التنوع يعكس أن المهرجان أصبح فضاءً فكريًا جماعيًا لا يقتصر على الإدارة بل يشارك فيه المجتمع المسرحي بكل فئاته.

خلاصة الرؤية

يؤكد لقاء مازن الغرباوي مع المشاركين المصريين أن مهرجان شرم الشيخ يدخل مرحلة أكثر نضجًا، حيث يتحوّل من حدث فني إلى مشروع بنية تحتية للمسرح الشبابي: رؤية إنتاجية تسويقية واضحة، بنية تنظيمية ثنائية (IN وOFF) على غرار أكبر مهرجانات العالم، توسع زمني وطموح لتكوين مدينة مسرحية كاملة، دعم رسمي ومؤسسي وشبكة قوية من العلاقات الدولية، مشاركة فاعلة من الفنانين والخبراء في صناعة القرار، إنها لحظة انتقالية ترسّخ مكانة المهرجان كأهم بوابة يعبُر منها المسرحيون الشباب نحو الاحتراف العالمي