بقلم : محمد قناوي
يقدّم كتاب «إلهام شاهين… امرأة بلا أقنعة» للكاتب جمال عبد الناصر، الصادر بالتزامن مع تكريم النجمة في الدورة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، سيرة فنية وإنسانية تعتمد على قراءة متعمّقة لمسار فنانة صنعت حضورًا استثنائيًا في المسرح والسينما والتلفزيون. وما يميز هذا الكتاب أنه لا يتعامل مع شاهين بوصفها فنانة نجحت فقط، بل بوصفها ظاهرة جمالية وثقافية تمتد عبر أربعة عقود من التحولات الاجتماعية والفنية في مصر.
سيرة تتجاوز التوثيق إلى التأويل
من خلال النصوص الواردة في الصفحات الأولى، يتضح أن المؤلف لا يكتب سيرة خطية، بل يقدّم قراءة تفسيرية لشخصية إلهام شاهين، فالكتاب ليس مجرد سردٍ لأعمالها، بل محاولة للإمساك بـالخيط الإنساني الذي يربط بين تجربتها الفنية ومواقفها الحياتية، هذا المنهج يتبدّى بوضوح في الإشارات المتكررة إلى الصدق، الجرأة، رفض الأقنعة،وهي المفاتيح التي يقدّم بها المؤلف عنوان الكتاب ويبرّر اختياره: أن شاهين فنانة واجهت الحياة بوجهها الحقيقي.
الطفولة والبذرة الفنية
يسلط الكتاب ضوءًا لافتًا على نشأة إلهام شاهين في مدرسة الراهبات، حيث تعلّمت الموسيقى والغناء والرقص ومارست الأداء في سن مبكرة،هذه البيئة الصارمة والروحانية في آن واحد، والتي يصفها المؤلف بدقة، تشكّل الأساس الذي بني عليه وعي “إلهام” بالانضباط الفني والجدية والمسؤولية، ويقدّم الكتاب مقاطع مؤثرة عن علاقتها بأسرتها، بخاصة والدها الصارم وأمها الداعمة، بما يكشف عن مأساة تكوين شخصي وفني تتشابك فيه الحساسية المفرطة مع التصميم الصلب على النجاح.

البوابة التي صاغت الممثلة
من خلال وثائق وشهادات، يعيد المؤلف رسم أجواء دخول إلهام شاهين إلى معهد الفنون المسرحية، مرورًا بموقف والدها الرافض واختبار القبول الصعب، وصولًا إلى محاضرات الأساتذة الكبار مثل جلال الشرقاوي وكرم مطاوع، في هذه الفصول، ينجح المؤلف في تقديم رؤية تحليلية لأسلوبها في الأداء، ليبرز كيف أصبح الصدق الداخلي والتلقائية والوعي الإيقاعي سماتها الأساسية على الخشبة والشاشة
المسرح..القاعدة الصلبة
يخصص الكتاب فصلًا تحليليًا دقيقًا لتجاربها المسرحية، معتمدًا على المتاح من التسجيلات، وعلى قراءة نقدية لأسلوبها وحضورها، هنا تظهر رؤية الكاتب بأن المسرح رغم محدودية توثيق عروضها،كان المخبر الحقيقي الذي صاغ شخصيتها الفنية، وأن شاهين تركت أثرًا يتجاوز الكم إلى الوعي والمغامرة، ويكشف الفصل أن رصيدها الذي يربو على 25 مسرحية يعكس مرونة فنية وقدرة على التنقل بين الكوميديا الاجتماعية والتراجيديا السياسية
لماذا «امرأة بلا أقنعة»؟
يبرّر المؤلف اختياره للعنوان بوضوح: لأن شاهين لم تكن يومًا فنانة تسعى لإرضاء أحد، بل امرأة تواجه الحياة والفن بوجه مكشوف وبلا رتوش، وتحمل مواقفها بشجاعة حتى لو اصطدمت بالآخرين، وهذا العنوان يمثل خلاصة الكتاب: أن الفن عند إلهام شاهين ليس زينة ولا مهنة، بل قدر ومسؤولية ورسالة إنسانية ومجتمعية، كما يربط المؤلف بين شخصيتها على الخشبة وخارجها، معتبرًا أن الصدق الفني امتداد لصدقها الإنساني
التكريم .. تتويج وتجديد قراءة
يقدّم الكاتب ضمن مقدمته تحليلًا لأهمية اختيار الدورة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ لحمل اسمها، معتبرًا أن التكريم ليس احتفالًا بالمنجز فقط، بل اعترافًا بقدرتها على أن تكون نموذجًا ملهِمًا لجيل جديد من المسرحيين، تمامًا كما عبّرت عنه تجربتها في المعهد وفي المسرح وفي السينما.
الكتاب في جوهره وثيقة إنسانية وفنية تليق بفنانة صنعت حضورًا مركبًا: إنسانيًا، ثقافيًا، وجماليًا، هو ليس مجرّد تكريم، بل محاولة لـإعادة قراءة مشروع إلهام شاهين كاملاً بوصفه مشروعًا واعيًا، يقف عند مفترقٍ بين الفن والتمرد، بين الحساسية والجرأة، بين المسرح والشاشة، إنه كتاب يضيء جوانب لم تروَ من قبل، ويمنح القارئ فرصة لفهم لماذا أصبحت شاهين-حقًا-
“امرأة بلا أقنعة”.
