محمد قناوي
حين صعدت ليلى علوي إلى منصة التكريم في مهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، لم يكن المشهد مجرد لحظة احتفاء بفنانة لامعة، بل كان استعادة لذاكرة جيلٍ كامل من السينما العربية، جيلٍ تماهت فيه الحكايات مع الوجوه، وصارت الشاشة بيتًا للروح.
القفطان المغربي الأنيق الذي تألقت به ليلى علوي في حفل الافتتاح بدا كأنه امتداد طبيعي لتاريخها؛ فكما جمعت بين الأصالة والتجدد، جمعت هي أيضًا بين الأنوثة المصرية الحاضرة والهوية العربية المتجذّرة، ذلك التاج الذهبي المرصّع بالأحجار الكريمة لم يكن زينةً فحسب، بل رمزًا لملِكةٍ تتوَّجها الكاميرا أينما وجِدت.

ندوة تكريمية
في الندوة التي خصصت لتكريمها، تحدّثت علوي بصوتٍ يحمل رصانة التجربة ودفء الذاكرة. استحضرت أسماء المخرجين الذين شكّلوا ملامح وعيها الفني: عاطف الطيب بواقعيته الموجعة، محمد خان بحساسيته تجاه التفاصيل الصغيرة، سعيد مرزوق بجماليات الصورة، ويوسف شاهين بفيض فلسفته وحلمه بالإنسان.
من “خرج ولم يعد إلى سمع هِس ويا مهلبية يا”، بدت السيرة كأنها رحلة امرأة في قلب تحوّلات السينما المصرية، امرأة لم تكتفِ بأن تكون وجهًا جميلًا، بل صوتًا يعبّر عن طبقات المجتمع وتناقضاته.

الناقدة ناهد صلاح، التي أدارت الندوة، وصفت اختيار ليلى علوي ضيفة شرف للدورة الثلاثين بأنه تتويجٌ لخبرةٍ فنية تجاوزت الأرقام، وجسر إنساني بين القاهرة والرباط، بين نيل الفن المغربي ومياه السينما المصرية التي لا تنضب.
وأضافت أن حضورها يأتي بعد ثلاثين عامًا من مشاركتها في المهرجان كعضو لجنة تحكيم، في دورةٍ شهدت ولادة جيلٍ جديد من المخرجين العرب، لتعود اليوم كأيقونة تجمع بين الذاكرة والاستمرارية.
صدق الأداء
القراءة النقدية التي قدّمتها الندوة لأعمال ليلى علوي كشفت عن قدرة نادرة على التنقل بين الكوميديا والدراما والاستعراض دون أن تفقد صدق الأداء أو حرارة الحضور،فهي الممثلة التي يمكنها أن تضحِك في لحظة، وتبكي في اللحظة التالية، دون أن تشعر بانفصالٍ بين الوجوه التي ترتديها.
لقد منحها المهرجان تكريمًا يليق بها، لكنه أيضًا منح نفسه شرعية الجمال؛ لأن الاحتفاء بليلى علوي هو احتفاء بالسينما بوصفها ذاكرة ووجدانًا، وفي زمنٍ تتسارع فيه الصور وتذوب فيه المعاني، تظلّ ليلى علوي واحدة من القامات التي حفظت للشاشة العربية ملامحها النبيلة، امرأة عبرت الزمن بجمال الموهبة لا بسطوة الظهور.

