عبدالستار ناجي يكتب من«كان»: فيلم «حادث بسيط» يذهب إلى عمق المجتمع الإيراني

المخرج الإيراني جعفر بناهي يعود مجدد إلى مهرجان كان حاملا معه أحدث أعماله والذي يحمل عنوان «حادث بسيط» بعد أربعه أعوام من الغياب والمشاكل التى واجهها وهو هنا وعبر حكاية بسيطة نرصد كم من القضايا والاشكاليات التى تذهب إلى عمق المجتمع الإيرني وبشفافية عالية ، مشيرين إلى أن جعفر بناهي يمثل أحد رموز السينما الإيرانية ويمتلك رصيد سينمائي عامر بالإنجازات اعتبارا من اول افلامه – البالون الابيض – 1995 الذى اثار يومها الكثير من الجدل حيث الموزاييك الإيراني من خلال صبية صغيرة ، بعده توالت الاعمال وتنوعت ولكنه ظلت دائما تعزف على وتر الظروف التى تحيط بالمجتمع الايراني . ومن اعماله نشير الى – المراة – 1997 و – الدائرة – 2000 و- تسلل – 2006 و – تاكسيى طهران – 2015 و – ثلاثة وجوة – 2018 و صولا الى فيلم الاخير – حادث بسيط – .

الحكاية باختصار شديد رجل مع عائلة في طريق عودته في احدي الليالي المعتمة يصطدم بكلب مما يدعوه الى المبادرة في البحث عن كراج  لاصلاح سيارته وهناك يشاهده احدهم فيعتقد بانه السجان الذى اشرف على استجوابه وتعذيبه،حيث يقوم باستدعاء اصدقاءه الذين تعرضوا لذات الأمر من أجل الانتقام ولكنهم يظلون في حالة شك هل هو ذات الرجل او هو رجل آخر ومن هنا تاتى اهمية التجربة الجديدة لبناهي .

جعفر بناهي،ليس مجرد مخرج ايراني بل انه مناضل من اجل الانسان في بلاده ، وهو من القله التى لا تزال تتعرض للاعتقال والاستجواب والسجن ، ويتحمل حظر إنتاج الأفلام ولكنه يظل مشاكسا ، باحثًا عن ثغرات تمكّنه من إنتاج أفلامه وعرضها في الخارج،والسلطات الإيرانية، التي تدرك بتوتر ونفاق التدقيق العالمي، بل ومكانة القوة الناعمة التي لا تزال تكتسب من شهرة بناهي، تبدو (تقريبًا) متسامحة مع هذا هكذا نتاجات سينمائية عالية الجودة .

فيلم شديد الحساسية عن عنف الدولة وانتقامها، وعن ألم الاستبداد الذي يتعايش مع الحياة اليومية الطبيعية، يتضمن الفيلم لمسات قاتمة من السخرية والكوميديا ​​السوداء وكوميديا ​​الرعب التى تظل تحاصرنا طيلة مشاهد الفيلم وعبر تلك الرحلة التى يقوم بها وحيد المسجون مع اصدقاءه وهو يتحركون بين الرغبة في الانتقام و التحقق من هوية الشخص ( اقبال) .

ونذهب الى المتن الروائي المحكي للفيلم حيث الاب اقبال  (إبراهيم عزيزي) يقود سيارته ليلاً برفقة زوجته الحامل وابنته الصغيرة،  حيث يصطدم بكلبٍ في الظلام. يتسبب هذا الحادث البسيط في تعطل سيارته بعد خمس دقائق فقط من عودتها إلى الطريق، ليجد نفسه يتوقف فجأةً عند ورشةٍ يملكها وحيد (وحيد موباسيري).ويعاني من مشاكل في الكلي

السائق معاقٌّ ( اقبال ) هو الآخر، يعرج، فيصاب وحيد بالذهول والخوف والغضب عندما يدرك أنه يعرف هذا الرجل؛ ويبدأ مسلسلٌ غريبٌ من الأحداث يجمع شتاتَ معارف وحيد الذين عانوا جميعاً على يد الدولة، من بينهم بائع الكتب سالار، ومصورة حفلات الزفاف شيفا (مريم أفشاري)، والزوجان اللذان تلتقط لهما صور زفافهما، العروس غولي (هاديس باكباتن) والعريس علي (مجيد بناهي)، وحميد (محمد علي إلياسمهر)، وهو شخص متهور من سكان المنطقة ويريد ان ينهي المهمة بسرعة دون التاكد من هوية الرجل .

تأخذنا سلسلة من المشاهد الغريبة، التي تكاد تكون حالمة، إلى مواقع مختلفة، بما في ذلك صحراء نائية بها شجرة يقول حامد إنها تبدو كمسرح لمسرحية “في انتظار غودو”، التقلبات والمنعطفات في الحبكة صادمة، تكاد تكون غير واقعية؛ هل يمكن أن يكون صحيحًا أن أشخاصًا عاديين كهؤلاء يتقبلون العنف؟ ولكن إذا بدا ذلك غير معقول، فربما لأننا لا ندرك العنف الذي عاشوه بالفعل. تصدمنا الرواية وتبعدنا عن المسارح كما يفعل وحيد ومعاصروه في مؤخرة شاحنته؛ وكذلك التحولات في النبرة من المأساة إلى الكوميديا ​​والعكس. لكن هذه الحيل السردية لا تصل بنا أبدًا إلى حدّ السخرية أو السخافة.

يتضمن الفيلم سخرية لاذعة من إدمان المسؤولين الإيرانيين على الرشاوى، تسأل ممرضة مستشفى وحيد إن كان يعرف كيف يقدّم “هدية” أو يثير فضيحة – وتريد علبة معجنات مع المال. يطلب حارسا أمن ماكران ومخادعان “هدية” مقابل عدم إثارة ضجة حول السلوك المشبوه في الشاحنة، وعدم وجود نقود لا يعفي وحيد من العقاب؛ يخرج هؤلاء الرجال ذوو الزي الرسمي جهاز قراءة بطاقات الخصم ( جهاز الدفع الاليكتروني ) مبتسمين. إنهم يأخذون الرشاوى على شكل مدفوعات غير تلامسية وغير مباشرة او مفضوحة .

في الفيلم كمية من السخرية اولها المشاهد الجماعية التي تُضطر فيها جولي للمشاركة في الفوضى وهي ترتدي فستان زفافها. إنه فيلم آخر مثير للإعجاب يجمع بين الجدية والكوميديا ​​من أحد أبرز الشخصيات وأكثرها شجاعة في السينما العالمية.

فيلم يلعب على مجموعة من المعادلات اولها تحول الانسان البسيط نتيجة من تعرف له من ظلم واعتداء الى بركان من القسوة والحدة حتى وهو يظل في دائرة الشك حول شخصية الرجل .

ويبقي ان نقول : جعفر بنهاهي على موعد متجدد من منجز كبيرولربما حصاد الكثير من الجوائز سواء في مهرجان كان او غيره من المواعيد السينمائية الهامة .