عبدالستار ناجي
مجددا يعود المخرج البلاروسي سيرجي لوزنيتسا الى مهرجان كان السينمائي الدولي من خلال فيلمه «المدعيان العامان» الذي يأتى بعد سلسلة ومشوار حافل بالانجازات السينمائية التى ارتكزت على النقد الصريح والواضح على فترة الحكم السوفياتي وبالذات المرحلة الاستالينية .
فيلم سيرجي لوزنيتسا الثري والعميق والقاسي مقتبس من قصة كتبها الناجي من معسكرات العمل السوفييتي السابق، جورجي ديميدوف، يكشف عن قصة مرعبة عن الشر البيروقراطي والممارسات البوليسية القمعية داخل وخارج السجون السوفياتية وان ظلت جميع احداث الفيلم داخل السجون المعتمة .
منذ اللحظة الاولي نجد انفسنا امام فيلم ينتقد بل ( يشتم ) المرحلة الاستالينية بكل تفاصليها من خلال حكاية تحمل الكثير من الدلالات والابعاد والمضامين .
رغم عتمته وقسوته وتفاصيله الموجعة الا اننا امام فيلم مشع بالحقيقية . الفيلم مشوق وصارم من إخراج البيلاروسي سيرجي لوزنيتسا، والذي تدور أحداثه في روسيا ستالين في أواخر الثلاثينيات، ببرودة جليدية وجنون ارتياب مبرر.
وهو مقتبس كما اسلفنا من قصة الكاتب والعالم المنشق جورجي ديميدوف، الذي احتجز في معسكرات العمل القسري لمدة 14 عامًا خلال الحرب العالمية الثانية، وتعرض لمضايقات من الدولة حتى وفاته في أواخر الثمانينيات . والذي لا تزال ذكريات عذابه مجلجلة في الذاكرة .
الفيلم يظل بطيئا وكانه يستدعي تلك المرحلة بمشاهده البطيئة والطويلة لربما اكثر من اللازم في احيان كثيرة وعبر كاميرا واحدة، وجود الدولة السوفيتية المرعبة ، ويسمح بتراكم قلق مريع: إنه يدور حول بيروقراطية خبيثة تحمي نفسها وتعيد إنتاج نفسها عن طريق إصابة من يتحدونها بجرثومة الذنب.
وهناك كم من التاثيرات الديستوفسكية على مسارات واحداث الفيلم بالذات من خلال روايته – بيت الموتي – التى كانت عامرة بتللك المناخات القاسية وايضا تاثيرات كافكا واخرون .
ياخذنا المخرج لوزنيتسا الى حكاية السجين السياسي البائس في قصته هو من قدامى المحاربين في معركة ستالين الوحشية لقمع القومي الأوكراني سيمون بيتليورا. ونظرًا لخوف الأماكن المغلقة الكابوسي والارتباك في مشاهد الزنازين والممرات الرسمية والسلالم وغرف الانتظار الحكومية.
أول مدعٍ عام في الفيلم هو كورنييف، الذي يقدم دوره ألكسندر كوزنيتسوف، وهو محامٍ شاب مثالي، رقّي مبكرًا بشكل مذهل إلى منصب مدعٍ عام – شبابه بلا لحية يبهر ويزعج موظفيه القدامى ذوي الشعر الرمادي الذين يتواصل معهم
تلقى رسالة غريبة من ستيبنياك (ألكسندر فيليبينكو)، وهو سجين مسن ومريض بشدة، يخضع لحراسة مشددة في بريانسك، مكتوبة بالدم على قطعة من الورق المقوى الممزق (التي نجت من النيران التي تحرقها سلطات السجن برسائل احتجاج كهذه). تزعم الرسالة أن أجهزة الأمن داخل السجون لا تلتزم بسيادة القانون، وتستخدم السجون والنظام القضائي لتعذيب وقتل جيل كامل من قدامى المحاربين في الحزب مثله، لجلب مجموعة من الموالين لستالين، مخلصين لهم بشدة، لكنهم غير أكفاء.
تجبر سلطات السجن كورنييف المُلحّ والمهذب على الانتظار لساعات قبل السماح له بزيارة ستيبنياك في زنزانته، على أمل واضح أن يستسلم ويغادر.
يزعمون أيضًا أن اعتلال صحة السجين واحتمال إصابته بعدوى يعنيان أن على كورنييف “تأجيل” زيارته. إنه تضليل واضح، ومع ذلك، فإن فكرة الإصابة بعدوى ستيبنياك لها صلة غريبة ومثيرة للغثيان.. مذعورًا من حالة ستيبنياك المروعة وأدلة التعذيب، وعارفًا بخبرة ستيبنياك القانونية المرموقة (ربما يكون المدعي العام الثاني في العنوان)، يستقل كورنييف قطارًا إلى موسكو ليبلغ مخاوفه لأعلى سلطة ممكنة – مقتنعًا بأن السكان المحليين لن يفعلوا شيئًا – وهذا هو المدعي العام الرئيسي فيشينسكي (أناتولي بيلي) ذو الوجه الجامد الذي يجعل كورنييف ينتظر ساعات تمامًا مثل مدير السجن، ويستمع إلى ادعاءاته المتفجرة بهدوء واهتمام مُقلق.
من هنا، تظهر تلميحات أكثر غرابة عن مؤامرة خفية لتخويف كورنييف وردعه واحتوائه لقاءات مع أشخاص لا يبدو أن لهم أي صلة ببعضهم البعض
في القطار المتجه إلى موسكو، يلتقي كورنييف بجندي عجوز ثرثار ذو ساق خشبية، وهو نسخة غريبة من السجين ستيبنياك (ويؤدي دوره الممثل نفسه)، ويطلق نكاتًا ساخرة عن كون كورنييف الشاب عذراء، والتي ستتردد صداها لاحقًا بشكل غريب
في المبنى الحكومي، يلتقي كورنييف بشاب يدّعي أنه زميله في كلية الحقوق، ويسأله عمدًا عن قضيته التي يتابعها – لكن كورنييف لا يتذكر أنه التقى به من قبل. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن كورنييف يصادف رجلاً غريبًا، ربما ملتمسًا، يقف مستندًا إلى الحائط ساكنًا، ويبدو عليه الخوف، آملًا ألا يكلمه أي مسؤول، فيسأل كورنييف همسًا عن مخرجه. لعلّ كورنييف نفسه يختفي تمامًا ويبقى ساكنًا قبل المغادرة.. حيث اشارات التهديد الصريح وان طريق هذا المدعي الشاب الى ذات السجن الى جوار السجين الاصلي ..
في الفيلم نحن امام اداء عال المستوى لعدد من الاسماء وفي مقدمتهم ألكسندر فيليبينكو(السجين ) و أناتولي بيلي ( المدعي الاكبر ) و ألكسندر كوزنيتسوف ( المدعي الشاب ) الذي يذهلنا بمقدرة في المحافظة على ايقاع الشخصية البرئية .
ولا يمكن تجاوز مدير التصرير اولج موتو باسلوبة في رسم حركة الكاميرا وهكذا الامر مع الرائع الكبير سيرجي لوزنتسا الذي قدم لنا تحفة سينمائية اقل ما يمكن ان تستحقة هو السعفة الذهبية ولربما الجائزة الكبري .
ويبقي ان نقول ..
فيلم «المدعيان العامان» يجعل المشاهد يختنق من قسوة المشهديات وعذاباتها وكانه يشعيش الم وعذابات الشخصيات المحورية .