المخرج الاسباني الفرنسي الموالد اوليفر لاكس ياخذنا هذة المرة في فيلمه «صراط» الى عمق الصحراء المغربية ليعزف لنا على ايقاع الحزن الموجع والموت من خلال حكاية يذهب الى تلك الانحاء مع ابنة الحدث من اجل البحث عن ابنته التى وصلته الاخبار بعد مغادرتها المنزل من فترة بانها متواجدة في تلك الصحاري حيث روّاد الحفلات المتجولين في صحاري المغرب.
خلال زحمة الوجوة في الحفلات الصخابة تمر حملة عابرة سيظل لاحقا محورا اساسيا للفيلم . حيث يسأل أحد الشخصيات مسافرًا زميلًا له عن رأيه في نهاية العالم. يفكر الصديق مليًا في السؤال قبل أن يجيب بتردد: “لقد كانت نهاية العالم منذ زمن طويل”.
يطارد هذا الشعور فيلم «صراط» جملة النقاد العالميين كتبوا العنوان بالشكل التالي – سيرات – وهو عنوان لا يحمل اية دلالات قياسا بمفردة «صراط» ، الذي تدور أحداثه على ما يبدو في مستقبلٍ شبه كارثي، ويتتبع مجموعة من رواد الحفلات الراقصة في رحلتهم عبر الصحراء المغربية بحثًا عن حفلة أخيرة.
منزل هذا الطاقم هو قافلة متهالكة، مجهزة بالطعام والماء ومؤن أخرى. أما المجتمع فهو أي شخص يقابلونه سواء في حفلات الرقص أو في طريقهم إليها. وعندما يشغّلون الراديو، تنذر الأخبار بتصاعد الحروب، ونضوب الموارد، وانهيار العلاقات الدبلوماسية. قسوة هذا العالم، التي استحضرها لاكس برؤيته التصويرية المميزة، تشبه عالمنا إلى حد كبيربل انها تمثل حالة الصخب التى تحيط بنا .
«صراط» هو أول فيلم للمخرج في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي بعد ان حل في عدة تظاهرات سابقا ، وهو تأملٌ مفعمٌ بالحيوية في الحزن والفرص في عالمٍ يتجه نحو الانهيار. إنه فيلمٌ جميل مليءٌ بلقطات المناظر الطبيعية الهادئة التي يعشقها المخرج. لكن رسالة الفيلم قد تكون قاسيةً ومشوشةً بشكلٍ غريبٍ في بعض الأحيان
من خلال سيناريو شارك في كتابته مع شريكه المعتاد سانتياغو فيلول، يبتكر لاكس قصةً عن شخصياتٍ متجولةٍ تتفاوض على حقائق الخسائر المختلفة – على المستويين المجتمعي والشخصي. الصحراء هي المكان المثالي لهذا التأمل، حيث يعمل الموقع القاحل كمستودع للمشاعر الساحقة وتذكير بصغرنا في المخطط الكبير للأشياء.
يبدأ فيلم «صراط» وينتهي بأنواع مختلفة من الخسارة اقلها الموت . يبدأ بمشهد لويس (سيرجي لوبيز) وابنه إستيبان (برونو نونيز) وهما يبحثان عن ابنتهما مار في حفلة صاخبة في الهواء الطلق. يغوص لاكس في لقطات مملة لأشخاص يرقصون على أنغام موسيقى الحديثة ، التي تبث عبر مكبرات صوت خارجية ضخمة، في جيب صغير من الصحراء. تتمايل أجسادهم على إيقاعات آسرة من تأليف الفنان الفرنسي كانغدينغ راي. يكمل الموسيقى التصويرية تصميم الصوت الرائع من لايا كازانوفا، الذي يُحوّل ضجيج الصحراء المحيط إلى موسيقى تصويرية خاصة به.
يشق لويس وإستيبان طريقهما عبر هذا الحشد، ويوزعان منشورات عن مار على أمل أن يكون أحدهم قد رآها، ويصادفون في النهاية مجموعة تتساءل إن كان مار ستحضر الحفل الراقص القادم.، يتبعون الشاحنتين اللتين تحملان ستيف (ستيفانيا غادا)، وجوش (جوشوا ليام هندرسون)، وتونين (تونين جانفييه)، وجايد (جايد أوكيد)، وبيجوي (ريتشارد بيلامي) من تجمع إلى آخر.
يحاول رواد الحفلات المخضرمون في البداية،التخلي عن لويس وإستيبان، لكن الأب والابن يصرّان ،ويتحول فيلم «صراط» في أوج شهرته كعملٍ من أعمال المخرج لاكس في نصفه الثاني، عندما يجوب هذا الطاقم المناظر الطبيعية المنسية . يستمتع لاكس بجمال الصحراء الكبرى (حيث صوّر فيلم «صراط» ومساحتها المهيبة، مع مشاهد للسيارات وهي تتدحرج على جبال شاهقة أو تضيع في عواصف رملية مرتجلة. تضفي العزلة الجغرافية على الفيلم أجواءً آسرة، تكاد تكون من عالمٍ آخر.. سواء تلك الاسرة التى فقدت ابنتها او بقية عناصر الرحلة الذين هم ايضا يعانون الفقد الذي جاء بهم الىى تلك الانحاء النائية .
ومن المفارقات أن «صراط» يكتنفه التشويش قرب النهاية. فرغم أن الفصل الأخير هو الأكثر حيويةً من نواحٍ عديدة – حيث سيصدم المشاهدون بسلسلة من التقلبات الكئيبة المقرونه بالانفجارات بعد دخولهم الى حقل الالغام – إلا أنه أيضًا حيث يتخلى لاكس عن تماسك السرد في سبيل جعل استعاراته أكثر واقعية. يميل المخرج إلى نوعٍ من الاستعراض المرتبط عادةً بأعمال النوع الأدبي، ليصارع نظرياته حول الموت، وليحقق عنوان الفيلم (الذي يترجم تقريبًا إلى «صراط» بالعربية ( الطريق المستقيم او الطريق الصحيح) ، إلا أن أفكاره – جزئيًا بسبب الكم الهائل – تبدو أكثر بدائيةً هنا.
رغم فواجع النهاية الا انها تبدو منطقية من حالة الفقد والموت التى راح يطاردهم وكانه لا مفر من تلك الحقيقة الا الطريق الصحيح المستقيم .
ونشير الى ان مشاهد الفيلم صورت بين جون اسبانيا ( الحفلات ) والمغرب خلال الرحلة . وهي مشهديات تؤكد لياقة صناع الانتاج والخدمات الانتاجية التى تقدمها المغرب من لاكبر واهم المشاريع السينمائية العالمية .