تواصل المايسترو التونسية العالمية أمل القرمازي ترسيخ حضورها ضمن أبرز القائدات الموسيقيات في العالم، بعدما نجحت في إعادة رسم حدود الإبداع العربي ورفع راية تونس على أهم المسارح الدولية.
فالموهبة التي تمتلكها، حين اقترنت بالعلم والرؤية، تحوّلت إلى قوة فنية تتجاوز الجغرافيا وتصنع جسورًا جديدة للتواصل بين الثقافات.
وبعد سلسلة من 12 حفلة كاملة العدد خلال أقل من شهرين في فرنسا، إنجلترا، سويسرا، بلجيكا والكويت، واصلت القرمازي مسيرتها العالمية بحفلين مبهرين في أميركا الشمالية: الأول على مسرح Maisonneuve في مونتريال يوم 13 نوفمبر، والثاني على مسرح Symphony Space في نيويورك يوم 16 نوفمبر، وذلك برفقة أوركسترا “مزيكا”، أول أوركسترا عربية بإنتاج عالمي متكامل.
هذه المحطة الجديدة أكدت مرة أخرى أن اسم أمل القرمازي أصبح ضمن أكثر الأسماء العربية حضورًا ونفوذًا في المشهد الموسيقي الدولي.

برنامج موسيقي «من المحيط إلى الخليج»
قدّمت القرمازي في حفلاتها برنامجًا موسيقيًا ثريًا يعكس قدرتها على وصل التراث العربي بالحداثة في قالب سمفوني متقن. تفاعل الجمهور كان لافتًا مع توزيعات أوركسترالية جديدة لعدد من الأغنيات المحبوبة مثل:”عز الحبايب، بنت الشلبية، سألوني الناس، بتونس بيك، نسّم علينا الهوى”.
كما قدّمت الأوركسترا أعمالًا من المغرب العربي، بينها “يا رايح” و”سيدي منصور” و”شْهيلة العياني”، التي صنعت لحظات غناء جماعي هزّت القاعة. وتواصلت المفاجآت مع نسخة أوركسترالية أنيقة من “ألف ليلة وليلة” لأم كلثوم، قبل مِدلي بديع على مقام الحجاز.
بهذا التنوّع، حملت جولة أميركا الشمالية ريبرتوارًا عربيًا واسعًا «من المحيط إلى الخليج» بتوزيع سمفوني يوازي أعلى المعايير العالمية، مؤكدة رؤية القرمازي في صناعة موسيقى تتجاوز الحواجز وتلائم جمهورًا متعدد الثقافات.
أمل القرمازي… من تونس إلى أهم مسارح العالم
نجاح القرمازي ليس حدثًا طارئًا، فهي تحمل دكتوراه في الموسيقى وعِلم الموسيقى من جامعة السوربون، وقدّمت أبحاثًا مرجعية في الموسيقى العربية، ما يظهر جليًا في مقاربتها الأكاديمية الدقيقة وعمقها الفني.
وتعد القرمازي من أوائل القائدات العربيات اللواتي وقفن على مسارح أوروبية مرموقة. ورغم حضورها الواسع في أوروبا والشرق الأوسط، لم يتضمّن نشاطها في تونس عام 2025 سوى حفلة واحدة بسبب جدول عالمي تخطّى 30 حفلاً منذ بداية العام، مع تأكيدها الدائم أن تونس تبقى المنبع وأصل الحكاية.
منذ انضمامها إلى أوركسترا “مزيكا” كمديرة فنية، حققت الأوركسترا طفرة واضحة أهلتها للوقوف على مسارح عالمية مثل: :
Casino de Paris ، Le Trianon، Bataclan (باريس)، Flagey ( بروكسل)، Alhambra (جنيف)، Megarama (الدار البيضاء)، ومسرح الشيخ جابر الأحمد الثقافي (الكويت)، قبل أن تنتقل إلى أميركا الشمالية.

رسالة فنية تتجاوز الحدود
منذ تأسيس أوركسترا “مزيكا” عام 2017 على يد الموسيقي د.شادي حاكمة، تعاونت التشكيلة الموسيقية مع أكثر من 25 فنانًا من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينهم رشا رزق، رامي عياش، مهدي عياشي، وسليم عساف وغيرهم، وقدّمت عروضًا متميزة عبر شراكات رفيعة المستوى وبرامج منتقاة بعناية.
ولم تكتفِ “مزيكا” بالحفاظ على الهوية الموسيقية العربية، بل أسهمت في إعادة وضعها على الخريطة العالمية كقوة فنية متجددة.
ومع النجاح الكبير لحفلَي نيويورك ومونتريال، تثبت جولة أمل القرمازي أن المشروع يتجاوز فكرة تنظيم حفلات متتالية، ليقدم تصورًا عربيًا معاصرًا للموسيقى يقوم على الحوار بين التراث والابتكار، ويصل إلى الجمهور العالمي بأدوات سمفونية رفيعة دون التخلي عن الهوية.
فمع كل حركة من عصا القيادة، تتكرّس تجربة القرمازي كواحدة من أبرز التجارب الموسيقية العربية على الساحة الدولية اليوم.
