رحيل السيناريست الكبير أحمد عبد الله يترك فراغًا في مشهد الكتابة السينمائية المصرية، بعدما شكّل خلال أكثر من ربع قرن أحد الأصوات الأكثر صدقًا وخصوصية في التعبير عن المجتمع المصري بوجوهه المتعددة، وأحلامه الصغيرة، وتناقضاته الإنسانية.
البدايات والانطلاقة
بدأ أحمد عبد الله مشواره في مطلع الألفية الجديدة، قادمًا من خلفية شغوفة بالسينما والحياة اليومية، فكتب أولى تجاربه الكوميدية التي صنعت ظاهرة جماهيرية حقيقية، كانت أفلام مثل “اللمبي” و”الناظر” بمثابة جواز مرور له إلى قلوب الجمهور، إذ امتلك قدرة نادرة على المزج بين الضحك والفكرة، بين الكاريكاتير والواقعية، فكتب شخصيات أصبحت جزءًا من الذاكرة الشعبية.
من الكوميديا إلى الواقعية الاجتماعية
لم يتوقف أحمد عبد الله عند حدود الكوميديا التجارية، بل انتقل سريعًا إلى مرحلة أكثر نضجًا فنيًا، ليصبح أحد أهم كتّاب السينما الواقعية الجديدة في مصر. ومع المخرج سامح عبد العزيز، شكّل ثنائيًا سينمائيًا متميزًا قدّم عددًا من أبرز الأفلام التي رصدت المجتمع المصري من الداخل، منها:
- “كباريه” (2008): الذي فتح نافذة جريئة على تناقضات المجتمع داخل فضاء مغلق.
- “الفرح” (2009): تناول بطابع إنساني احتفالية مصرية مليئة بالمفارقات.
- “الليلة الكبيرة” (2015): لوحة بانورامية عن الناس والقداسة والكرامة في المولد الشعبي.
هذه الثلاثية جعلت من أحمد عبد الله كاتبًا قادرًا على تحويل التفاصيل اليومية إلى دراما مؤثرة، تتقاطع فيها الهامشية مع البطولة، والضحك مع الوجع.

أسلوبه وملامح كتابته
تميّزت كتاباته بالحوار الحيّ النابع من الشارع، وبشخصياته المرسومة بوعي اجتماعي وإنساني عميق. لم يكن يميل إلى التنميق أو الفذلكة اللغوية، بل اعتمد على البساطة المشبعة بالحكمة، فاستطاع أن يوازن بين جماهيرية الطرح وعمق الرؤية، كان يعرف كيف يجعل من الإنسان العادي بطلاً، وكيف يحول المواقف العابرة إلى مشاهد تبقى في الذاكرة.
إرث فني لا ينسى
كتب أحمد عبد الله أيضًا أعمالًا تلفزيونية وسينمائية أخرى رسّخت مكانته كواحد من أهم كتّاب السينما في جيله. ومع رحيله، يجمع النقاد والجمهور على أنه صوتٌ صادق للطبقة الشعبية المصرية، وكاتبٌ قدّم السينما كمرآة للواقع لا كزخرفة له.
رحل أحمد عبد الله، لكن بقيت كلماته تنبض على الشاشة، شاهدة على عصرٍ صنعه بحروفه، ووجدانٍ جسّده في حكاياته، إنه سيناريست الصدق الإنساني والمشاعر التي لا تموت.
