محمد قناوي يكتب: الحنين إلى عظمة الأجداد بالذكاء الاصطناعي

في مشهد رقمي مهيب وغير مسبوق، وإحتفالا بإقتراب إفتتاح المتحف المصري الكبير، انتشرت وبقوة انتشرت صور المصريين علي مواقع التواصل الاجتماعي، وقد ارتدوا أزياء أجدادهم المصريين القدماء، الصور لم تكون نتاج استوديوهات تصوير، بل عبر لمسة من الذكاء الاصطناعي الذي أعاد إليهم ملامح الملوك والملكات.
من طلاب الجامعات إلى إساتذة الجامعات والفنانين وسائقي التاكسي والعمال، الكل أراد أن يرى نفسه في مرآة التاريخ. لم تكن هذه الموجة مجرّد “ترند”، بل ظاهرة نفسية وثقافية عميقة، كشفت عن شوق دفين لدى المصريين لاستحضار مجد الأجداد في زمن تذوب فيه الهويات خلف شاشات الهواتف، وكأن جيل اليوم أراد أن يقول للعالم: نحن أحفاد الحضارة الأولى… وسنروي قصتنا بلغات المستقبل.

التفسير النفسي

من منظور نفسي، يعكس انتشار هذه الصور رغبة دفينة لدى المصريين في رؤية أنفسهم كما كانوا يتمنّون أن يكونوا:  أقرب إلى العظمة والخلود التي يمثلها الأجداد القدماء المصريين.. الذكاء الاصطناعي هنا لم يكن أداة ترفيه فقط، بل مرآة نفسية جماعية مكّنت الأفراد من تخيّل أنفسهم في صورة الأجداد الذين صنعوا مجد الحضارة الأولى، إنها محاولة لا شعورية لإعادة الاتصال بـ”الذات العليا” في المخيال المصري – تلك الذات التي ترى نفسها وريثة أقدم حضارة على وجه الأرض.

البعد الاجتماعي

اللافت أن هذه الصور شملت المصريين من كل الطبقات والفئات، من طلبة الجامعات إلى العمال، ومن مشاهير الفن إلى المواطنين العاديين، وهذا يظهر أن الهوية الحضارية المصرية تتجاوز الفروق الاجتماعية، وأن الجميع يجد في الرمز الفرعوني مساحة للمساواة والاعتزاز، في تلك اللحظة، لم يعد الزي الفرعوني امتيازًا للملوك في النقوش القديمة، بل حقًا جماعيًا في الانتماء إلى الجذور نفسها، الذكاء الاصطناعي جعل كل مصري يشعر وكأنه جزء من الأسطورة، لا متفرجًا عليها.

تفاعل مع التكنولوجيا

ثقافيًا، تمثل هذه الظاهرة تزاوجًا بين التراث والتكنولوجيا، بين الماضي العريق والمستقبل الرقمي ، فاستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق هو فعل إبداعي جماعي يقول إن المصريين لا يرون في تاريخهم شيئًا جامدًا، بل مادة حيّة قابلة لإعادة إنتاجها بلغة العصر، فالصورة التي كانت يومًا تنقش على الحجر، صارت تعاد صياغتها اليوم عبر الخوارزميات، إنها إعادة بعث رقمية للحضارة المصرية، تظهر كيف يستطيع المصري أن يستخدم أدوات المستقبل ليعبّر عن ماضيه.

البحث عن صورة الذات

في زمن تتعدد فيه صور الهويات وتتنافس فيها الثقافات، يشعر المصري بحاجة لتأكيد خصوصيته، تجسيد الذات في صورة “فرعونية” بالذكاء الاصطناعي هو إعلان هوية في وجه العولمة الرقمية:نحن أبناء حضارة لا تمحى، وإن دخلنا عصر الذكاء الاصطناعي، فلن ننسى من نحن.”.. الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة لم يستخدم لأجل التسلية فحسب، بل تحول إلى وسيلة لاستعادة الشعور بالانتماء والفخر، والتعبير عن الذات بطريقة فنية حديثة.

خلاصة التفسير

امتلاء السوشيال ميديا بصور المصريين بملامح فرعونية مولّدة بالذكاء الاصطناعي هو ظاهرة رمزية نفسية وثقافية مركّبة تعبّر عن: رغبة جماعية في الانتماء إلى الأصل الحضاري.

حاجة نفسية إلى الاعتزاز والتمكين الرمزي.. استخدام واعٍ للتكنولوجيا كجسر بين الماضي والهوية الرقمية الحديثة.

إنها باختصار حالة حبّ جماعي للذات المصرية، تُترجم عبر لغة الصورة والذكاء الاصطناعي، وتثبت أن الحضارة المصرية القديمة ما زالت تعيش -ليس في المتاحف فقط – بل في الخيال الجمعي، في الملامح، وفي اللاوعي المعاصر أيضًا