عبدالستار ناجي
تحقق العراق خلال الدورة ال 78 لمهرجان كان السينمائي الدولي انجازا” محجلا “عبر ثلاثة محاور أولها الاختيار الرسمي للفيلم «كعكة الرئيس- مملكة القصب» للمخرج حسن هادي، بالاضافة للاختيار الرسمي الثاني لفيلم “سعيد افندي” ضمن تظاهرة ” كان كلاسيك” وهناك ايضا الخيمة العراقية في سوق كان الدولية، وهو أمر ما كان له أن يتحقق لولا الدعم والإسناد الرسمي كمؤشر حقيقي للإهتمام الرسمي بصناعة السينما على وجه الخصوص وهكذا الأمر بقية الفنون .
يأخذنا المخرج حسن هادي من حكاية الصبية العراقية الشابة لميعة التى وقع عليها الاختيار من قبل إدارة مدرتها في منطقة الأهوار لصناعة “كعكة” تشارك به المنطقة في احتفالات عيد ميلاد دكتاتور العراق صدام حسين، فكيف وهي ابنة الأسرة الفقيرة والتى تعليها جدتها المعدمة على هامش الحصار الذى فرض على العراق نتيجة احتلاله الغاشم لدولة الكويت في تسعينيات القرن الماضي
إنه الإختيار الذى لا يتمناه أى إنسان في العراق في تلك المرحلة من تاريخ العراق لأننا أمام قرار استبدادي والويل كل الويل لمن يرفض هذا الفوز حيث يشير الفيلم إلى”سحل ” أحد الذين تخلفوا على المشاركة بتلك الاحتفالية .
وحينما يقع الاختيار على الطفلة” لميعة” فأن عليها ان تبذل المستحيل من اجل تامين احتياجات صناعة الكعكة ومن بينها السكر”المفقود من الاسواق” والطحين وغيرها .
مملكة القصب
تنطلق احداث الفيلم في منطقة الاهوار “مملكة القصب “وسرعان من تنتقل الى مدينة بغداد العاصمة . فمن بين جدة لميعة التى تعيش على خدمة الناس الى المدرسة الصاخبة بالهتافات للرئيس المقبور الى لحظة الاعلان عن الفائزة بصناعة الكعكة ” لمعيه”وجارها “بجلب الفواكة”
وسرعان ما تقرر الجدة ان تذهب الى المدينة بحجة شراء الحاجيات الخاصة بالكعكة مقابل مقايضة السكر والطحين والبيض ببعض الملابس وساعة قديمة لوالد لميعة . ولكن الجدة كانت تخفي شيئا اخر وهو تسليم ولربنا لميعة الى احدهم ” لربما بيعها او الاستغناء عنها او تامين لقمة العيش الامين لها ” خصوصا وان الجدة تعيش ايامها ولربما لحظاتها الاخيرة ..
وهنا تقرر” لميعة “الهرب برفقة ديكها “هندي” المفضل ،وحتى اللحظة كراصد اتسال لماذا تذهب الجدة الى بغداد وهناك مدن كثيرة حولها من العمارة والناصرية ولربما البصرة والشطرة او غيرها من المدن المحطية .. الا اذا كان الهدف ان ياخذنا الفيلم الى بغداد حيث صخب الاحداث والاحتفالات .
ونشير هنا الى ان الاحداث تدور في فترة من تسعينيات القرن الماضي ويبدو ان هناك بعض الارتباكات في تحديد الفترة لان فترة الحضار تختلف عن فترة اغاني الحرب العراقية الايرانية التى يعرفها الجميع في العراق وبقية دول المنطقة .
تحليل الظروف والمتغيرات
ولعل فترة الحصار كانت هي الحل الامثل بالنسبة للمخرج والسيناريست حسن هادي من اجل تحليل الظروف والمتغيرات التى شهدها الشعب العراقي من فقر وحاجة وضنك ومتغيرات اجتماعية نالت حتى سلوكيات البعض .
وخلال رحلة – لميعة – مع جارها الصبي نتوقف امام مجموعة من المحطات وكل منها يذهب بعيدا في تحليل وعرض المتغيرات المجتمع العراقي اعتبارا من السيدة الحامل التى تبيع نفسها الى صاحب محل الدجاج الذي كان ينوي اغتصاب لميعة ذات السنوات التسع حيث رافقها الى احدي دور العرض التى كانت تعرض الافلام جنسية ( وهو امر لم يكن موجودا في العراق في تلك المرحلة ) .
رحلة مشبعة بالالم والقلق والتوتر . وتتقاطق الخطوط العجور تذهب الى مركز الشرطة بحثا عن لميعة فيما ظلت لميعة تحاول بكافة الوسائل من اجل تامين السكر والصحين والبيض عبر مجموعة من المحطات المبررة تارة والمقحمة تارة اخري .
في الفيلم اشتغالات احترافية ( ابدع مدير التصوير ) في رصدها بالذات تلك التى تعتمد على معادلة الانتقالات من في الاهوار من البيت الى المدرسة وبالعكس ومن القرية الى المدينة تارة عبر الزوارق ( كما فينيسيا ) واخري عبر السيارات وهنا نتوقف عند تجربة التاكسي وصاحبة الذي اقحم لاحقا في الاحداث حيث كان يقوم بمرافقة احد الشباب في يوم عرسه وتم تزيين السيارة ( المعرس فقد بصرة قبيل يوم عرسه ) لنجد عبر مصادفة غريبة ان صاحب التاكسي يلتقي بالجدة في مركز الشرطة من اجل مساعدة الجدة العجوزة بل انه يقوم بدفع البقشيش في مركز الشركة والمستشفي من اجل مساعدتها رغم التزامة بالعرس الذي تحدث عنه علما بان جميع الاحداث تجري في يوم واحد وفي اليوم الثاني تنتهي المسابقة .
سيناريو متماسك
بعيدا عن تلك الهوامش هنالك سيناريو متماسك محكوم مبني شخوصة واضحة الملامح رغم ان النسبة الاكبر من تلك الشخصيات شوهتها الحرب والحصار والظروف والنظام الاستبداي الدكتاتوري . بل يمكن القول بان جميع الشخصيات التى مرت خلال رحلة الطفلة لميعة هي شخصيات سلبية اعتبارا من المدرس الذى سرق برتقاله لميعة مرورا بصاحب العطارة ثم تاجر المواد الغذائية والمراة الحامل ورجال الشرطة والممرض اللهم الا سائق التاكسي والطبيبة .
يمتلك الفيلم هويته وشخصيته ولغته البصرية ( مدير التصوير تودر فلاديمير بندرو ) وحلوله الاخراجية المكتوبة والمصنوعة والمنفذة بعناية ودقة عالية بالذات حركة الكاميرا ورسم المشاهد وحركة الممثلين والكومبارس والخدمات الانتاجية التى تشير الى اننا امام نقله انتاجية عالية المستوى في صناعة السينما العراقية .
وفي الفيلم مجموعة من المشهديات الاخاذة مثل مشهد الغروب في الاهوار ومشهد التظاهرة الاحتفالية في بغداد وايضا مشهد المسيرة الجنائزية في الاهوار رغم ان النسبة الاكبر من اهل الاهوار يدفنون ذويهم في” النجف” .
فيلم – كعكة الرئيس – إنتاج مشترك بين العراق والولايات المتحدة وقطر، ولابد من الاشارة الى مجموعة الاسماء الاميركية من المنتجين والمخرجين وهم (مارييل هيلر وإريك روث وكريس كولومبوس وهذا الاخير ذو شهرة عالمية كبيرة ” ،ونشير الى المونتير اندورادو ومهندس الصوت توماس زاني …
وضمن فريق التمثيل الصبية الرائعة بنين احمد نايف ” لميعة” وساجد محمد قاسم “سعيد” ورحيم الحاج “جاسم “ولا يمكن تجاوز دور الجدة بي بي ” وهيد ثابت “.
الفيلم يمثل خطوة اضافية في رصيد السينما العراقية وسيجد طريقة “حتما” هذا العام الحالي في النسبة الاكبر من المهرجانات السينمائية العربية والدولية ..
ويبقي أن نقول :
فيلم «كعكة الرئيس» عامر بمضامين الذاكرة والهوية وقبل كل هذا وذاك يعلن عن ميلاد مخرج عراقي يمتلك بصمته وحرفته ولغته الفنية المتميزة .