مهرجان كان السينمائي 2025 :« سماء بلا ارض » يعمق هوية أريج السحيري

عبدالستار ناجي

تمثل تظاهرة « نظرة ما » المسابقة الثانية من حيث الاهمية في مهرجان كان السينمائي الدولي ، وفي افتتاح هذة التظاهرة البارزة تم عرض الفيلم التونسي « سماء بلا ارض »او «السماء الواعدة» – حسب الترجمة الفرنسية – للمخرجه التونسية أريج السحيري التى شاهدنا لها منذ قبل في تظاهرة « اسبوعا المخرجين » في مهرجان كان السينمائي فيلم « تحت الشجر ».

تمتاز المخرجة الشابة اريج السحيري باسلوبه السينمائي بين الفعل الروائي والتوثيقي الذي ياخذ المشاهد الى لب القضية المطروحة عبر مجموعة من الشخوص والاحداث المتداخلة واذا كنا في فيلم “تحت الشجر “تابعنا معاناه العمال المياومين ايام الحصاد فاننا في فيلمها الجديد نذهب معها الى حكاية ماري ” ايسا ميجا ” ، وهي قسيسة إيفوارية وصحفية سابقة، تعيش في تونس.منذ وقت طويل حيث تحول المنزل الذى تستاجره الى ماؤي وملاذ للكثيرين من بنات بلدها بالاضافة الى اقامة القداس في احدي صالات المنزل .

البحث عن مستقبل افضل

في ذلك المنزل نتابع ايضا حكاية ناني” ديبورا كرستيل لوبي “الأم الشابة التي تسعى هجرت بلادها من اجل البحث عن مستقبل افضل لها ولابنها الوحيد الذى تركته في بلادها ، وهناك حكاية  جولي، الطالبة المثابرة التي تحمل وصلت لتونس من اجل تحقيق امال والدها وعائلتها للتخلص من الفقر والحياة المعدمة.

كل شي كان يسير بشكل تقليدي واعتيادي حتى وصول طفلة يتيمة صغيرة لتشكل تحديًا لروح التضامن لدي تلك المجموعة من المهاجرين الذين كانوا يعيشون في مناخ اجتماعي متوتر، كاشفًا عن هشاشتهما وقوتهما وسط اجواء من التحديات تزامنت مع حملة اعلامية ضخمة ضد تواجد المهاجرين من عدد من الدول الافريقية المجاورة .

التجربة السينمائية الاضافية

ومن هنا تاتى اهمية هذا الفيلم وهذة التجربة السينمائية الاضافية في رصيد السحيري وايضا السينما التونسية حيث الاعتماد على احداث حقيقية ، وقعت في تونس في فبراير 2023، عندما استُهدف المهاجرون من جنوب الصحراء الكبرى بعنف في وسائل الإعلام وفي الشوارع. وقد أجج الخطاب السياسي الملتهب موجة من العداء، أدت إلى اعتقالات تعسفية وسجن وتسفير وكم من الاجراءات التى هددت استقرار تلك الاسر الافريقية والمهاجرين الذين كانوا يجدون في تونس ارض امان وعمل ومستقبل .

في يظل الانسان التونسي بعيدا عن التاثير الا شخصية صاحب البيت الذي كلما جاء مهددا في اخذ البيت خذله قلبة الطيب الكريم . وهناك شخصية – فريد – صديق ناني الذي تتعاون معه في بيع بعض الممنوعات ولكنه حينما تتازم الامور لا يجد اي حل لها او حتى طوق نجاة رغم عمق علاقة الصداقة بينهما .

تبدا الشرطة بمطاردة جميع الاجانب بالذات السمر من جنوب الصحراء الذين لا يمتلكون اوراق اقامة وعمل بمن فيهم الطالبة جولي التى تنقذها القسيسة وتساعد في الافراج عنها بينما لا تجد نانى طريق الى العيش بسلام الى السفر بعد ان تعثر القسيسة ماري بعض الممنوعات من بينها مشروبات كحولية . كما تقرر ماري القسيسة رغم شعارات الرحمة التى تطرحها ان تذهب بالطفلة الى احدي دور الايتام .

رغم صلابة العلاقة وقوتها الا انها سرعان من تتهشم وتتفتت وتتحول تونس بالنسبة لهم ارض بلا سماء او منزل بلا سقف يحمي تلك الاحلام السمراء الفتية من العيش والتكسب . وقد نتفق مع جملة الحلول التى تبدو ( توفيفية ) بالذات في المشاهد النهائية ( على طريقة توتا توتا خلصت الحدوته ) بينما حقيقة الامر تشير الى ان القصة لا تزال مشرعه على مصراعية في ظل تواجد المهاجرين وظروفهم الصعبة التى نشاهد شقها القانوي الصارم .. بينما البعد الانسانى الاجتماعي يظل مغيبا رغم دعم ورعاية المنظمات الاهلية الاجتماعية .

لغة سينمائية خاصة

شارك في كتابة السيناريو مع اريج السحيري كل من انا سينيك ومليكة لواتي في كتابة رشيقة للشخصيات وتقاطعها . وادار التصوير فريدا مازوق بلغة بصرية عذبة وسهلة ..

تمتلك المخرجة اريج السحيري لغتها السينمائية الخاصة والتى تشتغل على قضية ما وتستحضر شخوصها وتفاصليها ضمن نسق درامي متنامي متناغم يعزف على ايقاع الالم والوجع الانساني سواء من خلال معاناة العمال من الجنسين او المهاجرين الذين هاجروا من الفقر والالم والمعاناة ليجدوا انفسهم في ارض بلا سماء وبلا قوانين تحميهم وتستوعب المهم وتعبهم ومعاناتهم .. اشتغال رفيع المستوى على ثيمة المهاجرين في الارضي العربية وهو فيلم في كل لحظاته يحمل الكثير من الادانه ويدعو الى طرح معايير متجددة للتعامل مع هذا الملف الساخن دائما .

أريج السحيري ليست مجرد اسم عابر انها مبدعة رصينة تنتمى الى عالم السينما بكثير من الوعي والاحترافية ..

ويبقي أن نقول .. برافو أريج السحيري