وصفها أديب نوبل “نجيب محفوظ” بأنها “نعمة الدنيا”، وكتبت عنها الباحثة المتخصصة في الموسيقى فرجينيا دانييلسون كتابا عنوانه “صوت مصر، أم كلثوم والأغنية العربية والمجتمع المصري في القرن العشرين ، يراها الكثيرين انها كانت ومازالت “صوت مصر ووجهها”،
تحل اليوم ذكرى ميلاد سيدة الغناء العربي أم كلثوم، حيث تشير بعض المصادر أنها ولدت في 31 ديسمبر 1898، ولكن وفق السجلات الرسمية في 4 مايو 1908
سيدة الغناء
أم كلثوم من أشهر المطربات في مصر والعالم العربي، اشتهرت بلقبي “سيدة الغناء العربي” و”كوكب الشرق”، وقدمت حوالي 320 أغنية، وأغنيتها الشهيرة “الأطلال” واحدة من أفضل مائة أغنية في القرن العشرين.
النشأة في طماي الزهايرة
وُلدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، المعروفة باسم أم كلثوم، في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية ، في العقد السادس من عمرها، تزوجت من طبيبها الدكتور حسن الحفناوي عام 1954، واستمر زواجهما حتى وفاتها.
كان والدها يعمل مؤذناً في مسجد القرية ومنشداً للموشحات في الموالد والمواسم الدينية. نشأت على حفظ القرآن الكريم وتلقت تعليماً دينياً تقليدياً. ومنذ صغرها، بدأت تشارك والدها في تقديم الإنشاد الديني.

المسيرة الفنية
أظهرت أم كلثوم موهبتها الغنائية في سن العاشرة، حيث بدأ والدها بإشراكها في الحفلات والمناسبات، مما فتح لها المجال للغناء ضمن فرقته الإنشادية.
انتقلت أم كلثوم مع أسرتها إلى القاهرة عام 1921، بتشجيع من الشيخين زكريا أحمد وأبو العلا محمد، حيث بدأت رحلتها نحو الشهرة والنجاح
بداية الاحتراف
بدأت أم كلثوم تشارك في الحفلات بتلحين الشيخ أبو العلا محمد، ثم تعاونت مع الموسيقار محمد القصبجي، الذي طور أدائها واختار لها تختاً موسيقياً محترفاً، محدثاً نقلة نوعية في مسيرتها.
حققت أم كلثوم شهرة واسعة في عام 1928 مع مونولوج “إن كنت أسامح وأنسى الأسية”، وتوسعت نجاحاتها بالتعاون مع رياض السنباطي عام 1935، الذي شكل إضافة مهمة لرصيدها الفني.
وشهدت علاقتها بمحمد عبد الوهاب تنافساً حاداً انتهى بمصالحة في الستينيات، ليقدما معاً أغنية “أنت عمري”، التي أصبحت واحدة من أبرز أعمالها.
تميزت أم كلثوم بتعاونها مع بليغ حمدي، الذي أضاف ألحاناً شجية إلى مسيرتها، كما كانت أغنية “الأطلال” لرياض السنباطي علامة بارزة في تاريخها الفني.

تعاونت مع أعظم الشعراء
حرصت أم كلثوم على انتقاء كلمات أغانيها من أعظم شعراء عصرها، مما ساهم في تقريب الموسيقى الراقية من الجماهير العربية المتعطشة للفن الأصيل.
بقيت أم كلثوم أيقونة في عالم الطرب الأصيل، وحفلاتها الشهرية التي كانت يتم إذاعتها عبر الإذاعة المصرية ، كانت حدثاً منتظراً يترقبه الملايين في الوطن العربي.
القصائد الطويلة
قدمت أم كلثوم ما يقرب من 320 أغنية، تعاونت فيها مع نخبة من أبرز الملحنين والمؤلفين. تألقت في المديح النبوي والغناء الديني، خاصة من خلال أدائها للقصائد الطويلة والشعر العربي القديم، مثل: “نهج البردة”، “سلوا قلبي”، “ولد الهدى”، “أراك عصي الدمع”، و”رباعيات الخيام”.
كما أبدعت في الأغاني العاطفية التي خلّدت اسمها، ومنها: “أنت عمري”، “الأطلال”، “الحب كله”، “أروح لمين”، و”أغداً ألقاك”.

أبرز الأغاني
رحلت أم كلثوم ، وتركت مخزونا هائلا من الأغاني الدينية ، والعاطفية والقومية يبلغ عددها نحو 320 أغنية، ومن أشهر أغانيها:
- “الأطلال”: من أبرز الأغاني التي قدمتها أم كلثوم، وهي من كلمات إبراهيم ناجي وألحان رياض السنباطي، وتميزت هذه الأغنية بعمقها العاطفي وجمال كلماتها التي عبرت عن الحنين والحب المفقود.
- “أنت عمري”: تمثل هذه الأغنية التعاون الأسطوري بين أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وقد أصبحت “أنت عمري” رمزًا للأغاني التي تجمع بين الكلاسيكية والتجديد وهي من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل، وهي أول أغانيها التي استخدم فيها الغيتار الكهربائي.
- “سيرة الحب”: من كلمات مرسي جميل عزيز وألحان بليغ حمدي، وهذه الأغنية مثالًا على الرومانسية الموسيقية التي اشتهرت بها أم كلثوم.
- “على باب مصر”: ابرزت هذه الأغنية الطابع الوطني الذي تميزت به أم كلثوم، حيث كانت دائمًا تعبر عن مشاعر الأمة وآمالها، وهي من كلمات كامل الشناوي وألحان محمد عبد الوهاب.
- “هذه ليلتي”: أغنية أخرى من إبداعات محمد عبد الوهاب وكلمات جورج جرداق، وقد جسدت إحساسًا عاطفيًا راقيًا.
وكانت أغاني أم كلثوم يتم عرضها لأول مرة في حفلات شهرية، حيث كان الجمهور ينتظر بفارغ الصبر الاستماع إلى جديدها، واستمرت حفلاتها في جذب الملايين عبر الراديو.

أم كلثوم في السينما
بالإضافة إلى مسيرتها الغنائية، كان لأم كلثوم حضور مميز في السينما خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين حيث شاركت في 6 أفلام، لعبت فيها دور البطولة وقدمت فيها العديد من الأغاني الشهيرة وهي أفلام:
- “وداد” (1936): كان أول أفلامها، حيث قدمت فيه دور فتاة فقيرة تقع في حب شاب غني، والفيلم بداية تجربة أم كلثوم مع السينما.
- “نشيد الأمل” (1937): تناول الفيلم قصة رومانسية ممزوجة بالقيم الوطنية، وكان فرصة لأم كلثوم لتعبر عن مشاعر حب الوطن.
- “دنانير” (1940): فيلم تاريخي تناول قصة خيالية عن عصر هارون الرشيد، وقدم أغنيات لا تزال محفورة في الذاكرة.
- “عايدة” (1942): فيلم رومانسي يحكي عن قصة حب عابرة للطبقات الاجتماعية.
- “سلامة” (1945): وهذا الفيلم من أبرز أفلامها، حيث قدمت فيه أغاني خالدة مثل “غني لي شوية شوية”.
- “فاطمة” (1947): كان آخر أفلامها، وقد ركز على قضية اجتماعية حساسة تتعلق بحقوق المرأة ودورها في المجتمع.
وتميزت أفلام أم كلثوم بتقديمها مزيجًا من الدراما والغناء، مما جعلها وسيلة لنشر أغانيها على نطاق أوسع، ورغم نجاحها السينمائي، قررت أم كلثوم التركيز على الغناء

الجوائز والأوسمة
حصدت أم كلثوم خلال مشوارها الفني العديد من الجوائز والأوسمة من دول عربية وأجنبية تقديراً لإسهاماتها الفنية، ومن أبرز هذه التكريمات: وسام الكمال من الملك فاروق في مصر، جائزة الدولة التقديرية في الستينيات، وسام الأرز من لبنان، وسام النهضة من الأردن، نيشان الرافدين من العراق، وسام الاستحقاق من سوريا، ووسام نجمة الاستحقاق من باكستان.

الوفاة
رحلت أم كلثوم عن عالمنا في 3 فبراير 1975، بعد صراع مع مرض التهاب الكلى، وتم تشييع جنازتها في القاهرة ، بحضور مهيب، حيث قدّر عدد المشيعين بالملايين، في وداع يعكس مكانتها الكبيرة في قلوب محبيها.