“نادي الفنون”..تحويل المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية إلى فضاء تفاعلي حيّ

بإطلاق مبادرته الجديدة “نادي الفنون”، يخطو المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية خطوة استراتيجية في طريق التحول من مؤسسة عرض إلى مؤسسة تفاعل، أي من كيان يقدم أنشطة إلى جمهور، إلى كيان يصنع جمهوره ويحتضنه ويشركه في الفعل الثقافي نفسه.

تحول في فلسفة الدور المؤسسي

اللافت في المبادرة أنها تأتي تحت مظلة فكرية جديدة ترسخها وزارة الثقافة بقيادة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وتعتمد على مبدأ “الاشتباك الثقافي” — أي بناء علاقة حية ومباشرة بين المؤسسات الثقافية والجمهور، بعيدًا عن الشكل النمطي للفعاليات الموسمية.

مدير المركز المخرج عادل حسان بدا واعيًا لهذا التحول حين أكد أن الهدف من إطلاق “نادي الفنون” هو خلق مجتمع من المهتمين، لا مجرد جمهور متلقي. هذه الفكرة تنقل المركز من مستوى الأداء الوظيفي إلى مستوى التأثير المجتمعي، ليصبح بوابة تفاعلية لا ذاكرة أرشيفية فقط.

الخدمات الثقافية بوصفها محفزًا للانتماء

المبادرة ليست ترويجية بقدر ما هي منظومة انتماء ثقافي، فمنح العضو الحق في حضور جميع فعاليات المركز، والمشاركة في أنشطته، والحصول على تخفيضات كبيرة في متحف المركز وإصداراته، لا تهدف إلى جذب الأفراد من باب “الخصومات”، بل من باب الشراكة في الثقافة.
إنها صيغة حديثة لمفهوم “المثقف الشريك”، الذي لا يكتفي بالمشاهدة، بل يصبح جزءًا من العملية الإبداعية ذاتها.

نحو جمهور مستهدف واعٍ ومتفاعل

من بين المفاهيم الجديدة التي يطرحها النادي هو مصطلح “الجمهور المستهدف”، وهو مصطلح تسويقي الطابع، لكنه في السياق الثقافي يعني إعادة تعريف العلاقة بين المؤسسة والجمهور.
لم يعد الجمهور كتلة مجهولة الهوية، بل أفرادًا يتم التواصل معهم عبر قاعدة بيانات محدّثة، ما يتيح للمركز بناء مجتمع ثقافي متماسك من المبدعين، والهواة، والمهتمين، وذوي الاحتياجات الخاصة الذين خصصت لهم برامج مميزة داخل النادي، بهذا، يتحول النادي إلى شبكة تواصل ثقافي حيّة، تصنع استمرارية النشاط بدلاً من موسميته.

بين الذاكرة والتجدد

يعد المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية ركيزة أساسية في الذاكرة الثقافية المصرية، وقد حافظ لعقود على أرشيف ضخم من التراث المسرحي والموسيقي، لكن التحدي اليوم هو كيف يحوّل تلك الذاكرة إلى طاقة معاصرة، وهذا ما يفعله “نادي الفنون” — إذ يعيد فتح الأرشيف للجمهور بطريقة حية، من خلال الفعاليات، وورش التدريب، والمدرسة الفنية التابعة له، بهذا المعنى، يصبح النادي أداة لتحويل التراث إلى خبرة حاضرة، والمركز إلى فضاء يتنفس الإبداع.

إشارات دالة على رؤية شاملة

رعاية وزير الثقافة المباشرة للمشروع تعني أن الفكرة ليست مجرد مبادرة داخلية، بل جزء من سياسة ثقافية وطنية جديدة.

دعم رئيس قطاع المسرح المخرج هشام عطوة يضمن التكامل المؤسسي بين قطاعات الوزارة، خصوصًا أن المسرح هو المحرك الأقدم للحياة الثقافية المصرية.

سعر العضوية الرمزي (200 جنيه سنويًا) يرسخ فكرة الإتاحة، ويفتح الباب أمام فئات عمرية شابة تبدأ من السادسة عشرة، ما يجعل النادي أداة لتجديد الدماء الثقافية.

يمثل إطلاق “نادي الفنون” نقلة فكرية في آليات العمل الثقافي الرسمي. فبدلاً من أن تكون المراكز الثقافية مجرد منصات عرض، تتحول إلى مجتمعات تفاعلية للمعرفة والإبداع.

المبادرة تكشف عن رؤية مؤسساتية جديدة تتبنى فلسفة “الثقافة بالمشاركة لا بالتلقين”، وتؤكد أن مستقبل العمل الثقافي في مصر لن يبنى على العروض فقط، بل على صناعة جمهور مثقف وفاعل ومؤمن بدوره في المشهد الفني.