في ندوة تكريمها بمهرجان “في أس فيلم ” للأفلام القصيرة جدا بدت الفنانة هالة صدقي كمن يكتب سيرة ذاتية للفن نفسه، لا لمشواره فقط. فهي ليست مجرد ممثلة تملك موهبة كبيرة، بل صاحبة فلسفة في الأداء تُعيدنا إلى جوهر التمثيل بوصفه فعل صدق، وتجسيدًا للإنسان قبل الشخصية.
وثيقة فنية وإنسانية
قاد الناقد محمد الروبي الحوار باقتدار، حين رسم ملامح الرحلة من البطولة الرياضية إلى البطولة الفنية، مشيراً إلى أن صدقي تمثل نموذجاً لـ«النضج على نار هادئة» — وهي عبارة تلخص بدقة مسيرتها التي لم تقفز إلى القمة، بل بنت خطواتها عبر تراكم الخبرة والتعلم من الكبار.
الندوة لم تكن مجرد احتفاء باسم فني، بل إعادة قراءة لتجربة تمثل تياراً خاصاً في الأداء التمثيلي، يقوم على الواقعية النفسية والإحساس الداخلي بالشخصية أكثر من اعتمادها على الإبهار أو الجاذبية الشكلية.
فلسفة الأداء عند هالة صدقي
تحدثت هالة صدقي عن أهمية التفاصيل الصغيرة في التمثيل، وهي الفلسفة التي تعلمتها من عاطف الطيب، حين أمرها في فيلم قلب الليل بقص أظافرها وتلطيخ يديها بالطين لتجسيد واقعية شخصية «مروانة».
هذه الحكاية تكشف عن وعيها العميق بدور التفاصيل في بناء الصدق الدرامي، وتوضح كيف تشربت منهج الطيب الإنساني القائم على احترام الإنسان قبل الشخصية.
اعترافها بأن «لو مد الله في عمر عاطف الطيب لكانت في مكانة مختلفة» ليس مجرد ندم شخصي، بل قراءة ضمنية لواقع الفن الذي افتقد مخرجين من طراز الطيب، ممن يصنعون الممثل ولا يستهلكونه.
بين الأيقونة والتجربة
في حديثها عن سعاد حسني كأيقونة، وضعت صدقي نفسها ضمن امتداد مدرسة الممثلات اللاتي يعشن الدور ويتورطن فيه وجدانيًا. فاختيارها لسعاد حسني ليس انبهاراً نجومياً، بل انتماءً لتيار فني يرى في التمثيل حالة من التقمص الإنساني والتعبير عن الذات.
تأكيدها أن كل أدوارها تحمل “لمسة من روحها” يشير إلى قدرتها على مزج تجربتها الحياتية بشخصياتها الفنية، لتجعل كل دور صادقاً ومتفرّداً.
“صفصف” إلى “أش أش”
اللافت في حديثها عن شخصية «صفصف» في جعفر العمدة أنها كشفت عن أثر الدور الممتد على الممثل، إذ ظلت الشخصية ترافقها حتى بداية تصوير أش أش، مما يشير إلى عمق التقمص الذي تمارسه.
لكنها أيضاً أوضحت قدرتها على التحرر من سيطرة الشخصية عبر الوعي بأدواتها والبحث عن ملامح جديدة، ما يؤكد نضجها المهني واستقلال رؤيتها الإبداعية.
المخرج والممثل.. علاقة خلق متبادل
كررت صدقي في حديثها إيمانها بأن المخرج هو من يصنع الممثل، وهي رؤية تضعها في صف الكبار الذين يفهمون أن الأداء الحقيقي لا يولد في فراغ، بل من تفاعل فكري وروحي بين المخرج والممثل.
حديثها عن تعاونها مع محمد سامي في “جعفر العمدة” يعكس احترامها لتلك الشراكة الإبداعية، وقدرتها على الإضافة من روحها دون تجاوز رؤية المخرج.
صدفة صنعت نجمة
قصة دخولها لعالم الفن عن طريق الصدفة — حين التقت نور الدمرداش في استديو التلفزيون — تبرز مفارقة القدر في صناعة الموهبة، لكنها أيضاً تؤكد استعدادها الداخلي لقبول المغامرة، وهو ما حول بطلة سباحة إلى ممثلة من طراز خاص.
صدقي والوعي بالهوية الفنية
من خلال سردها لتجاربها التعليمية مع كرم مطاوع، وتركها للمعهد بسبب طبيعة التمارين الرمزية، يظهر وعيها باختلاف أدواتها التعبيرية، وأنها تميل للأداء الواقعي الملموس أكثر من التجريد المسرحي.
هذا الموقف يعكس وضوح شخصيتها الفنية المبكر، ورفضها الانصياع لمناهج لا تؤمن بها.
قراءة في منهج
ندوة تكريم هالة صدقي لم تكن استرجاعاً لسيرة فنانة فحسب، بل قراءة في منهج أداء يوازن بين الصدق الإنساني والانضباط المهني.
أثبتت صدقي من خلال حديثها أنها تنتمي إلى مدرسة الممثل الواعي، الذي يرى الفن حياة موازية وليست مهنة عابرة.
وفي ضوء هذا التكريم، يمكن القول إن هالة صدقي تمثل نموذج “الممثلة الحقيقية” التي اختارت أن تنضج ببطء، لكن بثبات، لتظل إحدى العلامات المضيئة في ذاكرة السينما والتلفزيون المصري.

									
			