« ضي – سيرة أهل الضي».. في وجدة للفيلم المغاربي الــ 14

صفاء أحمد آغا

يحتفي مهرجان وجدة للفيلم المغاربي في دورته 14 بالسينما المصرية بإختياره لفيلم « ضي – سيرة أهل الضي» ليمثل أرض الكنانة في المسابقة الرسمية للمهرجان .

الفيلم لمخرجه  كريم الشناوي يروي قصة مراهق نوبي يعرف بـ «ضي» يبلغ من العمر حوالي 11–14 سنة، وهو مصاب بالألبينو (أو ما يعرف شعبياً بـ “عدو الشمس).

يتمحور الفيلم حول معاناة “ضي” من التنمر في قريته بسبب اختلافه، وبسبب مظهره وبشرته وحالته، حلمه بالغناء، واكتشاف صوته، والاتكال على موهبته كوسيلة للتعبير والنجاة من التهميش

رحلة من الجنوب إلى الشمال في مصر بصحبة عائلته المفككة ومعلمه الموسيقي، في ظروف صعبة دون مال أو وسيلة نقل أو اتصال، خلال مدة زمنية قصيرة — الفيلم يحدث في إطار 48 ساعة تقريبًا.

الهوية وقبول الآخر

من خلال القيم والمعاني التي يحملها الفيلم والتفاصيل المتاحة، يمكن استخلاص عدة محاور موضوعية ذات دلالة : كالهوية والآخر، ” ضي” يمثل من هم مختلفون عن المألوف، ليس فقط بسبب المظهر الخارجي أو المرض، بل أيضًا بسبب الانتماء الجغرافي والثقافي (كونه نوبيًا)، مما يطرح أسئلة عن كيف ينظر المجتمع إلى المختلف، وكيف يعامل الشخص المختلف كالقهر الاجتماعي والتنمر.. والتنمر ليس مجرد حادث عرضي في الفيلم ، بل هو جزء من المعاناة اليومية التي تواجه ذوي الحالات الخاصة أو المختلفين في المجتمع، ويحاول الفيلم تسليط الضوء عليها، ليس للتأسف فقط، بل للدفع نحو الوعي والتغيير.

كذلك الفن كمنطق محرّر :  كقدرة الفن، الصوت، الحلم، أن تكون منافذ للحرية والتعبير. الفيلم يستخدم عنصر الغناء كمحرّك أساسي لرحلة البطل، وكأمل للانعتاق من القيد، بالإضافة لدور العائلة والمجتمع : العلاقة مع العائلة، ودورها في تشجيع الحلم أو العائق له، وكذلك النظرة المجتمعية التي قد تكون خانقة أو داعمة، كلها حاضرة في القصة، مما يجعلها ليست قصة فردية فقط، بل تتشابك فيها الأُسَر، المعلمون، الأصدقاء، المحيط ، ولا ننسى الصمود والأمل رغم التحديات

حتى مع القصور المادي، وسائل النقل، التنقل من الجنوب للمدينة، التحديات، الفيلم يعرض أن الحلم ممكن، أن الصوت يمكن أن يسمع، وأن الإنسان لا يُحوّم حول واقعه فقط، بل يمكن أن ينطلق

تكامل العناصر

وعلى مستوى الإخراج والتصوير فلقد إعتمد المخرج ” كريم الشناوي ” على جلب تجربة بصرية عبر استخدام مواقع تصوير كثيرة عبر محافظات مصر، مما يعطي تنوعًا بصريًا، شعورًا بالرحلة والتغيّر الجغرافي والذهني.،بالإضافة للموسيقى والصوت الموسيقي، لكونه فيلمًا موسيقيًا جزئيًا، يضع الموسيقى كعنصر مركزي، ليس مجرد خلفية بل كجزء من هوية البطل وحلمِه.

أما على مستوى الأداء التمثيلي فمشاركة أسيل عمران، بدر محمد، إسلام مبارك، حنين سعيد، وضيوف شرف، تعد نقطة قوة، خاصة إذا استطاع كل ممثل أن يظهر واقعية الشخصية وظروفه

ايرادات كبيرة

كما حقق الفيلم إيرادات بلغت حوالي 2,140,000 جنيه مصري في أول أسبوع من العرض في مصر وبعد 17 ليلة عرض، الإيرادات الإجمالية اقتربت من 6,500,000 جنيه تقريبًا، رغم هذه الأرقام، وردت بعض التقارير بأنها “متوسطة” أو أنها أقل مما توقعه بعض صناعه في أيامه الأولى، خاصة مع التنافس الشديد في دور العرض .

كما شارك الفيلم في مهرجان برلين السينمائي الدولي بدورته الـ75 ضمن مسابقة “أجيال” (Berlinale – Generation). وعرض أيضًا في مهرجان مالمو للسينما العربية ضمن المسابقة الرسمية، ولاقى تفاعلًا جماهيريًا ملحوظا  .

نقاط قوة

فيلم ” ضي ” له نقاط قوة لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها  كونه موضوع إنساني مؤثر حالة ألبينو مع التنمر، الطموح، اختلاف البيئة أحد المواضيع الأقل تمثيلاً في السينما الشعبية، لذا وجوده يعطي قيمة مضافة ، وهو رحلة بصرية مميزة إستخدم فيها  التصوير في عدة مواقع جعل الفلم ليس مجرد قصة داخلية بل رحلة جغرافية تبدّل الواقع والمكان.

كل أن الكاست القوي والمزيج من النجوم: وجود ممثلين معروفين وضيوف شرف يجذب الانتباه ويسهل الترويج للفيلم. بالإضافة للتدقيق  في التحضير والزمن الطويل للمشروع هذا يعني أن الفيلم نضج فكريًا وأُعطِي وقتًا كافيًا للتخطيط والتنفيذ، وقد ظهر ذلك في تصريحات المخرج.

تحديات وتوقعات

بالإضافة للتحديات أوالجوانب التي قد تنتقد، وضغط التوقعات كون الفيلم يحمل رسالة قوية ومشاركته في مهرجانات كبرى،  لذا فإن الجمهور والنقاد سيقيسونه بمعايير عالية، وقد يقارن بأعمال إنسانية أو موسيقية أخرى، مما قد يولّد خيبة إذا لم تكن بعض الجوانب مثالية.

  • الواقعية والتمثيل النفسي يجب أن تكون التجربة النفسية للبطل – الخوف، الشك، الحرج، التنمر – معالجة عميقة، لكي لا تقتصر على عناصر درامية سطحية.
  • التشويق الزمني: أن تدور الأحداث في إطار زمني محدود (48 ساعة) يُحسن من الديناميكية لكنه يشكل تحديًا لجعل التطور الشخصي مقنعًا ومُرضيًا للجمهور.
  • بالإضافة للموارد الإنتاجية والتوزيع و وجود قصة من الجنوب والنوبة قد يحتاج تمثيل دقيق للبس، البيئة، اللغة، الثقافة. إذا تعرض العمل لتسطيح في هذه الجوانب، قد يفقد جزءًا من أصالته
  • فيلم ” ضي ” له تأثير ودلالة قويتان فهو لا يقتصر على كونه فيلم ترفيهي أو موسيقي، بل يمثل رسالة اجتماعية

يسلط الضوء  من خلالها على قضايا التنمر والتمييز تجاه المختلفين جسديًا أو ثقافيًا.و يعزز فكرة أن الموهبة والحلم يمكن أن تتجاوز الجغرافيا والهوة بين المدن والقرى، بين الجنوب والشمال.

  • يدعو إلى التعاطف مع الآخر، و فهم سياق المعاناة والمخاوف التي يعيشها، وربما يشجع على تغيير الممارسة الاجتماعية تجاه ذوي الحالات الخاصة مثل الألبينو. الذي يجعله يحتفي بالأمل، بالعائلة، بالمدرسة، والعطاء الفني كمخرج من العتمة.

فيلم  ” ضي “– سيرة أهل الضي هو تجربة سينمائية إنسانية، تجمع بين الرحلة الجغرافية والنفسية، بين الاختلاف والطموح، بين الحلم والمقاومة. هو عمل يثري المشهد السينمائي المصري بموضوع نادر ومؤثر، ويجسد رغبة صناعته في المضي قدمًا نحو أفلام تحمل رسالة وقيمة فنية وجماهيرية في آن واحد.