صفاء أحمد أغا تكتب من وجدة : «عائشة» يعكس السينما التونسية المعاصرة

تعرف الدورة 14 لمهرجان وجدة الدولي للفيلم المغاربي، بإختيارات متنوعة تلبي ذائقة الجمهور السينمائي،  من بينها الفيلم التونسي”عائشة”، المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان ، وهو من إخراج مهدي برصاوي الذي  يكمل مسيرته بعد فيلمه السابق “بيك نعيش”، ويظهر نموًا وتطورًا في الطرح السينمائي.

السينما التونسية

«عائشة» يعكس السينما التونسية المعاصرة التي لا تكتفي بعرض الواقع الاجتماعي بل تسعى لمعالجة القضايا الكبرى مثل الهجرة الداخلية، التهميش، السلطة، الحقيقة، العدالة.

الفيلم يروي قصة آية، شابة تعيش في الجنوب التونسي (توزر)، تعمل كعاملة تنظيف في فندق، تشعر بأنها محاصرة بحياة يائسة بلا آفاق، في أحد الأيام تُصاب الحافلة التي تركبها في طريقها للعمل بحادث كبير، وتكون الناجية الوحيدة من بين الركاب، بعد الحادث تقرر أن تختفي، تبدأ هوية جديدة في العاصمة تونس، تأمل أن تعيد بناء حياتها بعيدًا عن ماضيها.. لكن تتعقد الأمور عندما تشهد على تجاوزات أمنية -خطأ في عمل أمني – تصبح فيه شاهدة رئيسية، مما يضعها في مواجهة مخاطر جديدة تؤثر على هويتها وحريتها.

رغبة البطلة في الهروب من الواقع والبداية من جديد  والفرار من قيود مكانها الأصلي وظروفه الاجتماعية بحثًا عن حياة جديدة،  الذي يجعل الشخص يرغب بتغيير هويته رغبة  منه في الهروب،  والبحث عن الفرصة التي يمنحها القدر، غير مفكرة بالأخطار التي تترتب على ذلك، ومن مسائلة السلطات الأمنية عندما  تكون الشهادة على تجاوز أمني، يطرح سؤال عن العدالة، الأخلاق، ومسؤولية الفرد أمام السلطة

انتاج متعدد

بما أن الفيلم يتناول تجاوزات أمنية، فالمسألة دقيقة، تتطلب تصويرًا موضوعيًا وحساسًا لتفادي الاستسهال أوالانحياز، خصوصًا أن الجمهور قد يكون حساسًا جدًا تجاه هذا العنصر بالإضافة إلى أن الفيلم إنتاج متعدد البلدان، هناك صعوبات نوعا ما مثل التمويل، التنسيق، اللغة،والتوزيع الذي قد تؤثر على كيفية وصوله للجمهور، بالإضافة إلى اختلاف أعراف العرض بين الثقافات التونسية والعربية

الفيلم يعكس مفهوم العبودية بأشكالها الحديثة، سواء من خلال الظلم الاجتماعي أو القهر أو الفساد.

فيلم «عائشة» هو عمل سينمائي قوي يحمل رسالة إنسانية واجتماعية مهمة، يجمع بين تصوير شخصي مؤثر وصراع جماعي، بين محنة الأفراد وظلم الأنظمة. هو فيلم يبحث عن الحرية، الهوية، والانبعاث من الخيبات، ويظهر أن السينما التونسية قادرة على إنتاج أعمال تحمل تأملات عميقة وتجاوزات فنية.

سرد مركز ومشوق

يتبين لنا أن سرد فيلم ” عائشة ” هو فالبداية درامية وقوية مع الحادث، ثم الانتقال إلى الصراع الداخلي للخروج من الماضي، مما يشد انتباه المشاهد، كذلك المزيج بين المحلي والعالمي الموضوع التونسي الخاص (الجنوب، البطالة، الهجرة من الجنوب إلى العاصمة، السلطة الأمنية) مع رمزية عالمية في موضوع الهوية، الحرية، والظلم، إضافة إلى التمثيل فأداء البطلة (فاطمة صفر) لاقى تنويهاً خاصًا، مما يدلّ على قدرة الفيلم على إثارة التعاطف وإدخال المشاهد في تجربة الشخصية.

مِن الناحية السردية، اختفاء شخص وتغيير هويته تواجهه مشاكل قانونية ومنطقية؛ الإيمان بواقعية هذه الخطوة يحتاج إلى معالجة دقيقة في النص كي لا تكون غير مقنعة في بعض الحوارات والتطورات، العمل على التوازن بين السرد الداخلي والخارجي كأن يوازن بين الصراع النفسي لآية وبين الأحداث الخارجية كالسلطة الأمنية، الضغط الاجتماعي، العائلة، كي لا يغرق في أحد الجانبين بدون الآخر.

الفيلم حقّق نجاحًا على الساحات الدولية:

  • فاز بجائزة أفضل فيلم متوسطي من أكاديمية الفنون الجميلة في مهرجان البندقية السينمائي في دورته الـ81.
  • حصل على جائزة SIGNIS لأفضل فيلم عالمي في مهرجان Mar Del Plata بالأرجنتين.
  • فاز أيضًا بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان ديربان السينمائي الدولي بجنوب أفريقيا. 
  • عرض الفيلم بداية من 22 جانفي 2025 في دور السينما التونسية.

نجاح الفيلم في المهرجانات الدولية يعزز صورة تونس كمركز سينمائي مبدع وقادر على إنتاج أفلام ذات مستوى فني وثقافي عالٍ، تستقطب الانتباه

العالمي