ستوديو صناع الأفلام.. موسم أول يختتم بأربع حكايات وثائقية على الشاشة

في صيف هذا العام، حوّلت جمعية السينما فضاء سينماتك الخبر إلى مسرح يومي للتجريب والتعلّم، جاء ذلك مع انطلاق النسخة الأولى من برنامج “ستوديو صناع الأفلام”، فاتحةً المجال لجيل جديد من المواهب لاختبار شغفهم بالصناعة عن قرب.
وعلى مدى أربعة أسابيع، من 13 يوليو حتى 7 أغسطس 2025، خاض 24 متدربًا تجربة مكثفة تمزج بين المعرفة النظرية والعمل الميداني، عبر مسارات تمتد من شرارة الفكرة وكتابة السيناريو، إلى التصوير، والإنتاج، والمونتاج، والصوت، تحت إشراف نخبة من المتخصصين، وبمعدات احترافية تضعهم في أجواء الإنتاج الحقيقية.

رؤية ممتدة ودور وطني واعتماد مهني

بحسب المدير التنفيذي لجمعية السينما، هاني الملا، فإن أهمية “ستوديو صناع الأفلام” تكمن في وضع المشاركين داخل تجربة إنتاج واقعية ، تنتهي بمنتج بصري قابل للمشاركة في مهرجانات محلية ودولية، بما يمنحهم خبرة عملية وانفتاحًا على معايير المنافسة الاحترافية.
ويعد هذا المسار خطوة عملية نحو تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في مضاعفة حجم الكفاءات الوطنية في القطاع، حيث أن البرنامج يعد مسارًا تدريبيًا قابلًا للتكرار والتوسع في مدن أخرى، مع خطط لعقد شراكات مع مؤسسات تعليمية وتدريبية، بما يدمج المعرفة السينمائية ضمن مسارات التعليم في المملكة.
ويختتم البرنامج بحصول المشاركين على شهادات معتمدة من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، ما يمنح التجربة بعدًا مهنيًا ورسميًا يعزز فرصهم في سوق العمل السينمائي.

تحديات صنعت فرصًا

تشير إدارة البرنامج إلى أن البرنامج شهد تحولات منذ انطلاقه، أبرزها فتح التسجيل مجانًا وتوسعة الفئة العمرية للفترة الثانية لتشمل الكبار، وذلك استجابةً للإقبال الكبير، ورغبةً في إتاحة الفرصة لشريحة أوسع من المهتمين. ورغم ما فرضته هذه التغييرات من تحديات تنظيمية، إلا أنها أضافت للبرنامج تنوعًا في الخلفيات والخبرات، الذي سينعكس بالنتيجة على جودة المخرجات وروح العمل الجماعي.
وفي تقييمها للفترة الأولى، ترى الإدارة أن إنتاج أربعة أفلام وثائقية في هذه المدة القصيرة مؤشر مبكر على تحقق أهداف البرنامج، وأن التجربة تصلح كنواة لمبادرات قادمة أوسع نطاقًا وأكثر تخصصًا، ضمن إستراتيجية الجمعية لرفد سوق الصناعة السينمائية بمواهب شابة مؤهلة.

تجربة ميدانية مكثفة

داخل قاعات التدريب، توزعت الأيام بين القاعات وشاشات العرض، وأجهزة المونتاج، ومواقع التصوير، حيث قاد المدربون المشاركين عبر تمارين تطبيقية مكثفة.
حيدر داوود، مدرب الكتابة والإخراج، أوضح أن “قصر المدة الزمنية كان تحديًا، لكنه شكّل دافعًا لتركيز المتدربين على جوهر الفكرة وليس على التفاصيل المشتتة، ولتوظيف الخيال كأداة أساسية في السرد”.
أما محمد الشاهين، مدرب الصوت، فرأى أن “المرحلة الأهم كانت تدريب الأذن قبل تدريب اليد، لأن الحس السمعي هو الذي يخلق هوية الصوت في الفيلم”.
في حين أكد مرتضى الحمود، مدرب التصوير، أن “نجاح أي متدرب يبدأ من عينه، من قدرته على ملاحظة ما قد يغفل عنه الآخرون، قبل أن يضع يده على الكاميرا”.

أربعة أفلام .. أربع حكايات

من هذه التجربة، خرجت أربعة أفلام وثائقية قصيرة حملت بصمات المشاركين، وعكست تنوع اهتماماتهم ورؤاهم الإبداعية.
* في “ما وراء الشباك”، تأخذنا فاطمة الحساوي إلى رحلة بصرية تقلب نظرة شاب تجاه “الخبر الشمالية” من الملل إلى الدهشة، بمشاركة شمس قالو، شهد آل نهيان، علي اللويم، ميساء الدوسري، فارس بوحليقة، فيصل رزق، محمد العلي، وإلياس اللاجامي، حيث تنوعت مساهماتهم بين التمثيل، والتصوير، والمونتاج، والصوت.\

  •  ومن نافذة محلية إلى بريق عالمي، جاء فيلم “مصنع النجوم: أسرار هوليوود” لراكان الشهري، مستكشفًا أسباب نجومية أبرز ممثلي هوليود وأسرار صناعة الأفلام هناك، بمشاركة عبد الله الحلبي، أحمد الملا، ريان السلطان، علي اللويم، في تجربة جمعت البحث البصري بالتصوير الميداني.
  •  وفي فيلم “20 دقيقة”، الذي حمل توقيع نايا الشهري وراما الشهري، تتصاعد أحداث ليلة تجمع ثلاث فتيات بعد تلقيهن رسالة غامضة تكشف سرًّا، لتبدأ سباقًا مع الزمن، بمشاركة، آدم أبوطعام، وفوزية باهمام، حيث تولى الفريق مهام التمثيل، والتصوير، والمونتاج، وتصميم الديكور.
  • وختام الحكايات كان مع فيلم “رجل من خشبة المسرح” لليلى الجفّال، الذي يعود إلى عام 1974 ليرصد بدايات الفنان عبد الله الجفّال كممثل وكاتب ومخرج مسرحي، مستعينًا بشهادات من عاصروه، ليكشف الطموحات والتحديات التي واجهها في بداياته. شاركها العمل البتول الحساوي، نديم الملا، ياسمين الدوسري، حلا طارق، في توليفة مزجت بين البحث التاريخي والتوثيق البصري.

وقد شارك بعض المتدربين في أكثر من عمل، ما يعكس روح التعاون وتبادل الخبرات بين الفرق.

من منظور المتدربين

وصف المتدرب راكان الشهري البرنامج بأنه فرصة للتعلم على أيدي المحترفين، فيما اعتبر فارس بوحليقة أنها “فرصة ذهبية” زادت حماسه يومًا بعد يوم. وأشار محمد العلي إلى أن التجربة غيّرت نظرته للأفلام الوثائقية وأزالت التصورات المسبقة لديه، مضيفًا أنها هيأته للاستمرار في المجال السينمائي.
زيارات ألهمت المشاركين
على امتداد فترة التدريب، حظي المتدربون بفرصة اللقاء وجهاً لوجه مع أسماء بارزة في المشهد الفني، حيث استضاف البرنامج الفنان سعيد قريش والفنان سمير الناصر والفنان إبراهيم الحساوي، إضافة إلى الفنانة ريم أرحمه.
هذه الزيارات تحوّلت إلى جلسات حوارية مفتوحة، شارك خلالها الضيوف تجاربهم الشخصية، ومحطاتهم المفصلية، والتحديات التي واجهوها في مسيرتهم.

مصدر إلهام

وقد شكّلت كلماتهم مصدر إلهام للمتدربين، إذ قربت لهم الصورة الحقيقية للعمل الفني خارج الإطار النظري، ومنحتهم دفعة من الثقة بأن مسارهم نحو الاحتراف ممكن وقابل للتحقيق.
كما ساعدت هذه اللقاءات في توسيع آفاق المشاركين حول تنوّع مجالات العمل في السينما والدراما، وأكدت قيمة بناء شبكة من العلاقات المهنية منذ البدايات.
الختام وما بعده
من المنتظر أن تُعرض هذه الأفلام في حفل الختام المتزامن مع نهاية الفترة الثانية للبرنامج التي انطلقت مطلع الأسبوع الحالي 10 أغسطس وتستمر حتى 4 سبتمبر، ليكون مناسبة تحتفي بثمان أفلام كمخرجات للفترتين، وتقدم للجمهور ثمار أسابيع من التدريب العملي.

وتؤكد جمعية السينما أن هذه المبادرة تأتي انسجامًا مع مستهدفاتها في دعم الإنتاج المحلي، وإيجاد منصات حقيقية لصانعي الأفلام، وتعزيز ثقافة العمل الجماعي في الحقل السينمائي، لتكون منصة انطلاق نحو مواسم أكثر تنوعًا وجرأة.