صفاء أحمد آغا
إختمم مهرجان وجدة السينمائي الدولي للفيلم المغاربي في دورته 14 آخر ندواته بمائدة مستديرة حول الصناعات الثقافية و الإبداعية في جهة الشرق وجدة بركان الوزيرات و فيگيك وغيرها من مدن شرق المغرب .
فالصناعات الثقافية والإبداعية هي مجموعة من الأنشطة الاقتصادية التي تجمع بين الإبداع والفن والثقافة، وتشمل، من بين أمور أخرى، الفنون البصرية والفنون الأدائية، النشر، السينما والسمعي‑البصري ، الموسيقى، الحرف التقليدية، التصميم، التراث المادي واللامادي، والتكنولوجيا الثقافية. تهدف هذه الصناعات ليس فقط إلى حفظ الهوية الثقافية، بل أيضا إلى توليد فرص عمل، التنوع الاقتصادي، والترويج للموروث المحلي
السياق في جهة الشرق
جهة الشرق تقع في شمال‑شرق المغرب، وهي تشمل مدن مثل وجدة، بركان، فكيك، تاوريرت وغيرها. تتميز هذه الجهة بتراث ثقافي غني، بالتنوع اللغوي (عربية وأمازيغية)، وبمواقع تاريخية وبيئية مهيأة إلى أن تسهم في فعل ثقافي وإبداعي قوي.
من الأنشطة الملاحَظة في الجهة:
- معرض مغاربي للكتاب بوجدة (“آداب مغاربية”)، منصة للتلاقح الثقافي والأدبي.
- مهرجان “ألوان الشرق” بتاوريرت، الذي يجمع الفنون التشكيلية، الجداريات، والعروض المحلية
- نقاط بيع المنتجات التقليدية: الزرابي، الملابس التقليدية، الفخار، المجوهرات، الخشبيّات ضمن ورش الصناعة التقليدية بأقاليم بركان، السعيدية، فكيك.
- مبادرات ثقافية نظمتها المديرية الجهوية للثقافة بـوجدة مثل “وجدة عبر الشرفات” خلال فترات الحجر الصحي، وفعاليات في الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية والكتابة.
مهرجان وجدة السينمائي الدولي للفيلم المغاربي .
وهنا دعونا ننتقل للإمكانيات ؛ جهة الشرق تمتلك عدة نقاط قوة تجعلها جد مؤهلة لتعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية:
- تراث غني ومتنوّع.. فوجود تراث مادي (عمارة، مواقع تاريخية) ولامادي (موسيقى، فنون تقليدية، أدب شفوي) يشكل قاعدة قوية يمكن البناء عليها.
- موارد بشرية مبدعة ، شباب الجهة لديهم طاقات إبداعية، تشكّل قوة لإنتاج الفنون والمحتوى الثقافي.
- مناخ طبيعي وجغرافي متنوع .. جمال الطبيعة والمناطق الريفية يمكن أن تشجّع “السياحة الثقافية” وربطها بالإبداع (مهرجانات، إنتاج فني في الطبيعة، ورش فنية).
- البنى التحتية التقليدية للحرف مثل الورش الحرفية، نقاط البيع، الصناعة التقليدية المنظمة جزئياً، التي يمكن تطويرها ودمجها مع التصميم المعاصر والتسويق.
الترابط المؤسسي
- وجود هيئات محلية (المديرية الجهوية للثقافة، المعاهد الجهوية، الوكالات التنموية، جمعيات فنية) تمكّن من التنسيق بين الفاعلين ، لكن لابد من التطرق إلى التحديات كذلك لأن هناك عدة معوقات تؤثر على تطور هذا القطاع بالجهة:
قلة التمويل والاستثمار
المشاريع الثقافية غالبًا ما تعاني من ضعف التمويل الكافي للتجهيزات، التكوين، الإنتاج، التسويق، وتصدير المنتجات الثقافية.
- ضعف البنى التحتية المتخصصة
قاعات عرض، مراكز إنتاج سمعي‑بصري، ورش تصميم وتكوين محترفة قد تكون محدودة أو غير موزعة بشكل متساوٍ.
- التسويق والترويج
المنتج الثقافي المحلي لا يسوَّق بعد بالشكل المطلوب، سواء داخل المغرب أو خارجه. ضعف استغلال المنصات الرقمية والتكنولوجيا في الترويج.
- التكوين المهني والتخصصي
نادراً ما تكون هناك مؤسسات تكوين تدمج بين الجانب الفني/الإبداعي والجانب التجاري/التقني. يحتاج المبدعون إلى مهارات في الإنتاج، في الإدارة، في حقوق الملكية الفكرية، في الابتكار الرقمي.
- الهجرة الثقافية والموهبة
بعض الموهوبين قد يهاجرون إلى مدن كبرى مثل الرباط أو الدار البيضاء أو الخارج لعدم وجود فرص كافية في الجهة.
- الوعي المجتمعي
الثقافة والإبداع قد لا تعتبر دائمًا كمجال اقتصادي جدي من طرف كل الفاعلين المحليين (السلطات، المستثمرين، المجتمع المدني).
ومن هنا يتبن لنا أنه إذا تم تفعيل السياسات المناسبة، فالصناعات الثقافية والإبداعية يمكن أن تسهم في:
- خلق فرص عمل محلية للشباب، خاصة في المناطق الريفية والحضرية الصغيرة.
- تنشيط اقتصاد الجهة وتنويعه بعيدًا عن الزراعة أو الأنشطة الاقتصادية التقليدية فقط.
- تحسين الجاذبية السياحية لجهة الشرق من خلال الفعاليات والمهرجانات والمعارض، وربطها بالموروث الثقافي والطبيعي.
- الحفاظ على الهوية الثقافية والتنمية المستدامة، وذلك عبر إحياء الفنون التقليدية واللغة والثقافة المحلية.
فلهذا لا بد من تعزيز توصيات مهمة للنهوض بالصناعات الثقافية و الإبداعية في جهة الشرق ،يجب أقترح مجموعة من التوصيات:
كإعداد خطة جهوية مهيكلة : تخطيط استراتيجي يراعي خصائص الجهة، يحدّد أولويات واضحة، القطاعات الإبداعية التي يمكن الاستثمار فيها، وتخصيص الميزانيات.
ودعم التمويل والمبادرات الصغيرة بمنح وقروض ميسرة للفنانين والحرفيين والمبدعين، تسهيل الحصول على موارد مالية لتجربة المشاريع الثقافية.
العمل على تطوير البُنى التحتية.. بناء مراكز إبداعية، ورشات إنتاج، مسارح، أماكن عرض، استوديوهات تصوير/تسجيل صوتي، وربطها جيدًا مع الشبكات الرقمية.
فتح تكوين مهني متخصص :
- كفتح تكوينات في التصميم، الإعلاميات الخاصة بالفن، الإنتاج الموسيقي والسينمائي، التسويق الثقافي، حقوق الملكية الفكرية، الإدارة الثقافية.
- الاستفادة من الرقمنة كدعم المحتوى الرقمي، المنصات الإلكترونية، البث عبر الإنترنت، والترويج على وسائل التواصل الاجتماعي، وربط المنتج المحلي بالسوق الرقمي.
العمل على خلق شراكات محلية و دولية .
- عمل لقاءات مفتوحة لتشجيع التعاون بين المبدعين المحليين، المؤسسات العمومية، المؤسسات الخاصة، المنظمات الدولية، منظمات المجتمع المدني، للاستفادة من الخبرات والمصادر.
تنظيم فعاليات ثقافية منتظمة
مهرجانات، معارض، أسواق الحرف والفنون، أيام ثقافية محلية تتيح عرض المواهب المحلية وتجربة ثقافية للمجتمع.
- الترويج للسياحة الثقافية كعنصر أساسي لدمج المنتج الثقافي مع العروض السياحية، خلق مسارات ثقافية، تعزيز الخدمات المرافقة للزوار، الربط مع الموروث الطبيعي والتاريخي للجهة.