المركز القومي للسينما في 2025..حارس الذاكرة السينمائية

بقلم : محمد قناوي

يقدّم حصاد المركز القومي للسينما خلال عام 2025، برئاسة الدكتور أحمد صالح، صورة لمؤسسة ثقافية نشطة استطاعت إلى حدّ كبير ترسيخ حضورها بوصفها أحد الأذرع الأساسية الداعمة للسينما المصرية خارج منطق السوق التجاري، ومشتغلة على مفاهيم التنوير، والتعليم، والعدالة الثقافية، غير أن هذا الحضور الكمي اللافت يفتح في الوقت نفسه بابًا ضروريًا للتقييم النوعي، وطرح أسئلة جوهرية تتعلق بالأثر والاستدامة وتطوير الدور.

أولًا: نقاط القوة والإنجازات

يحسب للمركز تنوّع أنشطته واتساع رقعتها الجغرافية؛ فتنظيم 115 عرضًا سينمائيًا في مواقع متعددة يعكس رغبة حقيقية في كسر مركزية العرض داخل القاهرة، والاقتراب من جمهور أوسع، لا سيما من طلاب الفنون والشباب، كما أن الاهتمام بالأفلام التسجيلية وأفلام التحريك، إلى جانب الروائية، يؤكد وعيًا بدور المركز في حماية الأنواع السينمائية الأقل حظًا جماهيريًا، والحفاظ على تنوّع الخريطة البصرية.

وتعد الورش السينمائية، التي بلغ عددها 19 ورشة، من أبرز مكاسب العام، خاصة تلك الموجهة للأطفال وذوي القدرات الخاصة، إذ تعكس انتقال المركز من دور العارض إلى دور المُنتِج للمعرفة والمهارة.

كما يشكّل إدماج ذوي الهمم في البرامج الثقافية، وإطلاق مسابقة «إبداعات عميد الأدب العربي طه حسين»، مؤشرًا مهمًا على تبنّي خطاب ثقافي أكثر شمولًا وإنسانية.

أما على الصعيد الدولي، فإن تسجيل 18 مشاركة خارجية يؤكد استمرار السينما المصرية – عبر بوابة المركز – في لعب دور فاعل ضمن منظومة القوة الناعمة، خصوصًا في دول آسيوية وأفريقية وأوروبية، بما يتجاوز النطاق العربي التقليدي ويعزّز حضور مصر الثقافي عالميًا.

ثانيًا: البعد المؤسسي والتنظيمي

نجح المركز في أداء دور تنظيمي داعم للصناعة السينمائية، من خلال تسهيل تصاريح التصدير والاستيراد والتصوير، وهو دور غالبًا ما يغفل في التقييم الثقافي رغم تأثيره المباشر على حركة الإنتاج والتداول، كما يعكس التعاون مع مؤسسات مثل نقابة الصحفيين، وقطاع الفنون التشكيلية، ومكتبات مصر العامة، قدرة واضحة على بناء شراكات ثقافية عابرة للقطاعات، بما يوسّع من نطاق التأثير المؤسسي.

ويسجَّل للمركز اهتمامه بالتوثيق البصري للأحداث القومية، عبر إنتاج نحو 9 أفلام وملاحقات وثائقية، وهو دور أرشيفي بالغ الأهمية في ظل غياب الذاكرة البصرية المؤسسية لدى كثير من الجهات، ويضع المركز في موقع “حارس الذاكرة” الوطنية والسينمائية.

د. أجمد صالح
ثالثًا: ملاحظات نقدية وأسئلة مفتوحة

رغم هذا الزخم، يظل السؤال الأهم مطروحًا: ما هو الأثر الحقيقي لهذه الأنشطة؟ فالأرقام، على أهميتها، لا تكشف بالضرورة عن عمق التأثير الثقافي، أوعن مدى تطوّر ذائقة الجمهور، أو عن تحوّل الورش إلى مسارات احترافية مستدامة للمشاركين.

كما أن كثافة الفعاليات قد تأتي أحيانًا على حساب التراكم النوعي؛ إذ يحتاج المركز إلى بلورة هوية برمجية أوضح، تميّز بين ما هو تعليمي، وما هو احتفالي، وما هو استراتيجي طويل المدى. ويبرز هنا غياب آليات واضحة للتقييم الدوري، أو نشر تقارير نقدية تقيس نتائج الأنشطة وتأثيرها المجتمعي.

وفي ما يخص الذكاء الاصطناعي، فإن إطلاق مسابقة لأفلام تتناول انتصارات حرب أكتوبر بهذه التقنية يعد خطوة جريئة، لكنها تحتاج إلى إطار فكري وأخلاقي واضح، حتى لا تتحول إلى تجربة شكلية أو احتفالية، بل إلى مختبر حقيقي لتجديد لغة الفيلم التسجيلي والوطني.

رابعًا: التعاون الدولي كفرصة استراتيجية

يمثل المقترح الخاص بالتعاون مع الجانب الصيني إحدى أبرز محطات عام 2025، ليس فقط على مستوى الإنتاج المشترك، بل أيضًا في ما يتعلق بإدارة الأرشيف وتبادل الخبرات، غير أن نجاح هذا المسار يظل مرهونًا بترجمته إلى مشروعات ملموسة ومستدامة، لا الاكتفاء بالزيارات والبروتوكولات، مع ضرورة الحفاظ على الخصوصية الثقافية للسينما المصرية داخل أي تعاون دولي واسع.

أخيرا .. الخلاصة

يمكن القول إن عام 2025 كان عامًا نشطًا وناجحًا على مستوى الحضور والحركة للمركز القومي للسينما، حيث رسّخ موقعه كفاعل ثقافي مؤثر، لا مجرد جهة إدارية، غير أن المرحلة المقبلة تتطلب انتقالًا واعيًا من منطق الإنجاز الكمي إلى منطق الأثر النوعي، ومن الفعاليات المتفرقة إلى البرامج المستدامة، ومن الاكتفاء بالعرض إلى صناعة جمهور واعٍ ونقدي.

يبقى التحدي الحقيقي أمام المركز في السنوات القادمة أن يصبح ليس فقط حارسًا للذاكرة السينمائية، بل شريكًا فعليًا في صياغة مستقبل السينما المصرية، فكريًا وجماليًا، في الداخل والخارج.