كتاب «محمد عبد العزيز.. عمر من السينما» للناقد والصحفي أسامة عبد الفتاح، واحدًا من أبرز إصدارات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ46، والذي جاء احتفاءً بتكريم المخرج الكبير بجائزة «الهرم الذهبي».
ويقدّم الكتاب رؤية معمّقة لمسيرة أحد أهم صناع السينما المصرية، جامعًا بين التوثيق الدقيق والتحليل النقدي الرصين، فمن خلال فصوله المتعددة، وصوره النادرة، وشهادات رفاق الدرب، يفتح الكتاب نافذة واسعة على سينما تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها متجذّرة في قراءة حادة للتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مصر منذ سبعينيات القرن الماضي.
سينما تضحك… لكنها تكشف وجع المجتمع
يبرز الكتاب رؤية لافتة حول جوهر السينما التي قدّمها محمد عبدالعزيز، إذ يؤكد أن الضحك – على خفته الظاهرية – كان دومًا نافذة لكشف واقع اجتماعي مضطرب، فالفقر، كما يشير المؤلف، كان المحرك الأساسي لغالبية شخصياته، وهو ما تجسّد في أعمال مثل «شفاه لا تعرف الكذب» و«أه يا ليل يا قمر» و«غاوي مشاكل». ، هنا لا يصبح الضحك غاية، بل وسيلة تفضح الضغوط اليومية التي يتعرض لها المواطن البسيط، وتكشف كيف تدفعه الأزمات الاقتصادية إلى مسارات غير متوقعة.
الجار… بطل خفي في عالم عبدالعزيز السينمائي
أحد أكثر الجوانب إثارة في الكتاب هو ما يكشفه عن حضور”الجار” كمكوّن درامي أساسي في أفلام المخرج. فالجار -بكل تدخله، وإرباكه، ووجوده المتكرر- يتحول إلى عنصر يغير مسار الأحداث ويعكس ضيق المساحات والاختناق الاجتماعي في الطبقة المتوسطة، من «خلي بالك من جيرانك» إلى «غدًا تتعانق الأيدي»، يظهر الجيران كمرآة لمجتمع كامل يعيش تحت ضغط القرب القسري.
يضيء الكتاب على أسلوب إخراجي مميز اعتمده عبدالعزيز: صناعة الكوميديا من خلال ردّ الفعل لا الفعل ذاته. إذ تتجسد اللحظة المضحكة – كما يوضح المؤلف – في نظرة الممثل وذهوله وارتباكه أمام الموقف، مما يمنح المشهد طاقة مضاعفة وصدقًا دراميًا حقيقيًا، هذه التقنية منحت أعماله حيوية خاصة، ورسّخت مكانته كمخرج يعرف كيف يحوّل التفاصيل الصغيرة إلى لحظات فنية لافتة.

توثيق مرحلة اجتماعية… سينما الانفتاح وما بعده
لا يكتفي الكتاب بتقديم المخرج بوصفه صانعًا للضحك، بل يربطه مباشرة بالسياق التاريخي الذي عمل فيه، فعبدالعزيز كان شاهدًا على مرحلة الانفتاح الاقتصادي وتبدّل الطبقات وصعود قيم جديدة، وهو ما انعكس بوضوح في أفلامه الأولى وفي معالجته لقضايا الطبقة المتوسطة التي شكلت المسرح الأساسي لأحداثه، هكذا تصبح أفلامه – رغم طابعها التجاري- وثيقة فنية تسجل تحولات مصر في نصف قرن.
يرصد الكتاب أيضًا تنوعًا ملحوظًا في مسيرة عبدالعزيز؛ فقد قدّم أفلامًا تراجيدية مثل «انتبهوا أيها السادة» و«منزل العائلة المسمومة»، وأفلامًا رومانسية واجتماعية عديدة، هذا التنوع يكشف عن قناعة أساسية لديه: أن السينما- مهما كان نوعها- يجب أن تعبر عن الإنسان وهمومه اليومية، لا أن تكون مجرد أداة للتسلية.
إنسان السينما قبل صانع الأفلام
تأتي شهادات زملائه، مثل الفنان حسين فهمي وغيرهم، لتكشف الجانب الإنساني للمخرج: زمالته، بساطته، انضباطه، وحبه للسينما منذ سنوات الدراسة الأولى. هذه الشهادات تضيف بعدًا شخصيًا للكتاب، وتظهر كيف ظل عبدالعزيز وفيًا للمهنة ولأصدقائه على مدى عقود.
يقدّم كتاب «محمد عبدالعزيز» صورة شاملة لمخرج لطالما ظلم نقديًا بسبب تصنيفه كصانع كوميديا تجارية. لكن هذا الكتاب يعيد قراءته بوصفه مصورًا حساسًا للمجتمع المصري، قادرًا على تحويل الضحك إلى أداة نقد، وتقديم كوميديا تضحك الجمهور، لكنها تكشف أيضًا عمق أزماته، إنه كتاب يعيد الاعتبار لمخرج كبير، ويعيد رسم خريطة سينما شكلت وجدان أجيال، وتستحق قراءة جديدة من منظور معاصر
